الموت" في ينابيع الفكر الكلاسيكي و العالمي
العقيد بن دحو
- كريون : لن
اسمح ان تكون لك زوجا، انساها ياولدي ؛ انها ستموت !.
- هيمون :
لئن ماتت فليتبعن موتها موت اخر.
كان هذا
الديالوج البسيط الدرامي التراجيدي بين والد يطمح الوصول الى سدة الحكم ، و بين
ولد ( هيمون) ثائر يدافع عن نبل شرف عائلته ، في ماساة ( اونتجون) للشاعر التمثيلي
الماسوي ( صوفوكليس) من القرن الخامس قبل
الميلاد ق:(-5 ق.م).
"
الموت" و ما ادراك ما الموت ، كلمة رهيبة ، توشك ان لا يحتويها منجد و لا
قاموس. ظلت عصية عن الادراك و عن الفهم و التصور الفلسفي الا ان جاءت الميثولوجية
و منحتها رمزا و اشارة و شكلا و تاويلات اخرى ، و مع الايام صارت هاجس ( هادس) ملك
الاموات ، بل صارت لها مملكة تحت الارض تسمى (هديز) ، ورد ذكرها في العديد في مسارد و مسامط
الملاحم و الدراما الشعرية الكونيتين.
ولعل اونتجون
و عمها كريون الحكم و الخصم في ان واحد. يثبت حكمه عليها الى ( هديز) لا يؤوب منه
مسافر. و ايضا حين يموت خطبها منتحرا على اونتجون حسيرا شقبا . و كان الموت يجر
الموت في سلسلة تراجيديا لم يسبق لها مثيل.
و لعل ملهاة
" الضفادع" للشاعر الملهاتي
الكوميدي " ارستوفانز" كان خير
معبر عن الموت.
اذ الذهنية
الاغريقية اللاهوتية انذاك كانت تؤمن بحياة اخرى (للميت) و للموتى جميعا ، الشقي
منهم و السعيد تحت الارض.
و مادام صار
للموت رمزا و استعارة و كناية ؟ و مقاما و معبدا و موطنا تحت الارض تسمى مملكة
،(هديز). صارت الها ،. مادامت صارت اسطورة التقطها فورا الفلاسفة من افواه الشعراء
و الكهنة ، و لم تعد تكتفي التعبير بالحلم ، و لا بصور الترانيم الدينية ، و انما
صارت تعبر بالصور و الافكار الفلسفية ايضا .
لذا حينما
سئل افلاطون عن الموت ؟
اجاب : لا
فرق !
ثم قال على
المرء ان يسعى الى الموت الذي هو يدركه و يعرفه !.
و مادامت
الذهنية الاغريقية كانت لها عهدا سابق عن لاحق
هذا ( الهادس) ؛ عفوا بل هذا الهاجس !؟.
اذن الذهنية
الاغريقية كانت اكثر ذكاء حين تصالحت ، و تفهمت بكل ما يحيط بها من ظواهر طبيعية و
احالات اخرى... حين منحتها اسماء و طباع قريبة من حياتها اليومية خيرا فخير و شرا
فشر !.
بل صبتها في
قالب فني جميل بديع ، محبب الى الانفس له
وقعه الاسر الساحر على القلوب الصادمة ان مستها عصا موسى !.
كما ورد في
سفر " ايوب" : الانسان مولود المراة قليل الايام و شبعان ثعبا.
يخرج كالزهر
ثم يتحسم ويبرح كالظل و لا يقف...لان للشجرة رجاء.ان قطفت تخلف ايضا و لا تعدم
خراعيبها
و لو قدم في
الارض فصلها و مات في التراب جذعها ، فمن رائحة الماء تفرخ و تنبت فروعا كالغرس.
اما الرجل فيموت و يبلى . الانسان يسلم الروح فاين هو !؟.
هذه الانشودة
الكورسية ، جوقة تثنية الفعل الدرامي الحياتي و نقيضه ، انشودة الميلاد و
الموت ، المرض و العلاج ، القتل و الحياة
، الحب و الكراهية، الكسب و الخسارة ، النجاج و الفشل ... ثنائيات تردد ترديدات
وجود الانسان و عن اوضاع الانسان.
ذاك الانسان
الذي يتميز بالدارين ، دار ساعة ما يولد و دار ساعة ما يموت او يسمى ( قبر) !.
فالزهور التي
توضع على قبر الميت لا تدل على الميت انما تدل على عظمة رجل ميت. شانه شان الورقة
التي تسقط من الشجرة لا تعود للشجرة ، انما تذكره بها. فالقبر يدل على الميت. و
الميت في حد ذاته يذكر بالموت !.
غير ان
الانسان اكبر من الدورة الخالدة للميلاد و الموت ، ومن القوة الدافعة الى التناسل
، و الشيخوخة الخالية من القوة. ذاك الانسان كائن تشكل و ما زال يشكل نفسه
باستمرار اذ يشكل العالم المحيط به .
ولعل اسطورة
( اورفيوس) الفتى الجميل الذي صنع اوتار قيتارته من حواجب عشيقاته ، و لما ماتت
زوجته ( اوريديسي) بكاها البكاء المر ، ختى قيل كان يسمغ بكاه و نحيبه عنها الى
مسافات بعيدة. مما احن ورق قلب الالهة وشق عليها ، فاتفقت ان ترد له زوجه من
العالم الاخر (.....)! شريطة ان يكف عن البكاء و الا يلتفت اليها. و بالطريق من
(هديز) شق عليه و التفت الى زوجه اوريديسي. فقتلته امراة ( تراشيه).
ان اسطورة
اورفيوس منذ فلاسفة الاغريق ز مرورا بكوكتو و كافكا و العديد من النقاد الغربيين و
فلاسفة الالمان ، و كذا معظم السيرياليين بباريس حاولوا ان يجدوا تفسيرا اسطوريا
للموت من تفاسير و تحاليل اسطورية قديمة تقليدية للموت ، غير تلك التفاسير الدينية
السماوية و الارضية ، و الشبيهة بالدين.
تن مسرحية
اورفيوس تامل في الموت ، حيث ينقذ كوكتو الموت من الاختفاء في الفراغ ، حتى يمكن
ان نقول يجعل كوكتو (الموت) ينجو من الموت.او ينجو من مصير اللاشيئية. عادة ما نجد
كوكتو متنقلا بين الحياة و الفراغ . و هذا ما يسمى بالملائكية او تسمى امثولة
التوازن . السير قدما بلا هوادة ، رفيع المشدود بين عالمين ، السماء من اعلى و
الموت من اسفل.
ما من اسطورة
قربتتا حتى الان من فلسفة الموت بقدر ما تفسره اسطورة اورفيوس . ينجذب اورفيوس عن
طريق الحصان في البداية الى الموت الذي جاءت رسائله من مملكة الموت ، ثم ينجذب
اليه بشكل اقوى بعد موت زوجه اوريديسي. و هكذا يتصور كوكتو و غيره الموت بديلا عن
الحياة.
في الحقيقة
هو قول اغريقي افلاطوني قديم خين صرح : بان لا فرق تمة بين الموت و الحياة !.
عموما ان
فلسفة الموت اعمق من فلسفة الحياة ، و في لحظة من اللحظات بغض النظر عن الاسباب و
النتائج الدينية . لا يمكن ان تعبر عنه بمنطق معادلات التجريد الرياضي ، و انما و
فق سلم و قاعدة و مساطر تسطير اساطير الاغريق و الرومان ، ذاك (الموت) الذي صار له
اسما " هادس" اله ، يعبد ، و يتقرب اليه الاحياء و الموتى بالقرابين و
الهدايا ، كما تزف اليه اجمل الجميلات في المدينة.
كما صار له
موطنا و مملكة تحت الارض تسمى " هيديز".
ان الناس
تتوجس خيفة من الموت كونها كما قال افلاطون لا تعرفه!.
و حتى اذا ما
تمكنت من معرفته ادركت عن يقين انها رحلة اخرى، و سفر اخر ، و اوديسا اخرى تتطلب
تدبيرا و تحضيرا ماديا و معنويا و بشريا لهذه الملحمة الانسانية ، التي ستسطرها (
ثيوغونيا) هوميروسية هيزيودية جديدتين لهذا العصر الذي اثقله منطقه ، المكتظ
بالمسافرين في محطات المنتظرين دون تذاكر و لا جوازات سفر و الى وجهات مجهولة.
وحدها وجهة
عالم الموت المحددة و المعلومة التوجه ، تتنتظر الزائريين لا يؤوب منه مسافر .