جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
آراءنقدSi Naceur Abdelhamid

قراءة في محاضرة المخيال الاسلامي ، جدلية المقدس و الدنيوي للأستاذ محمد قدوسي


قراءة في محاضرة المخيال الاسلامي ، جدلية المقدس و الدنيوي
للاستاذ محمد قدوسي من جامعة سيدي بلعباس - الجزائر.
بقلم : سي الناصر عبد الحميد



القى بنادي البيان معسكر، بتاريخ 02 ديسمبر 2017 الاستاذ علم الاجتماع محمد قدوسي من جامعة سيدي بلعباس ، محاضرة بعنوان المخيال الاسلامي ، جدلية المقدس و الدنيوي. و التي أثارة الكثير من الاهتمام  من قبل الحاضرين ، لما احتوته من أفكار و رؤى جديرة بالمناقشة و التحليل ، خاصة لصورة فهم التعاطي العقلي و النفسي لحالة تدين المسلم اليوم، مما أثر فينا رغبة في التأمل في هذه الأفكار و مناقشتها على روية، فكان علينا أن نبعث للأستاذ محمد قدوسي بهذه الورقة التي تضمنت جملة تأملات حول الموضوع، ارغب الآن في وضعها امام القراء من أجل تعميم الفائدة من جهة و توسيع دائرة النقاش مع من يهمه هذا الموضوع من جهة ثانية. ( ملاحظة : من يريد الاطلاع على المحاضرة فرابط موجود اعلاه.)

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.

ما جاء في مداخلتكم المميزة من أفكار حول المخيال الاسلامي ، جدلية المقدس و الدنيوي ، يحتاج فعلا الى اعادة مناقشة لما تحمله هذه الافكار من اهمية من جهة أنها تناقش حاجة العقل العربي اليوم الى الفهم الجيد لحالة التدين من حيث الممارسة من جهة و من حيث تصور هذا التدين في ذهن المتدين من جهة أخرى. و ما تحمله ايضا هذه الافكار، من مسائل تحتاج الى نقاش عميق و توضيح دقيق ، يسمح لنا كمتلقين  من استيعاب ما تطرحونه بشكل جيد و واضح.

كما تجدر الاشارة الى كون الموضوع الذي تطرقتم اليه يجمع في قراءته بين الحاجة الى القراءة الفلسفية التي هي في رأي القاعدة التي يجب أن تتكئ عليها مثل هذه الدراسات، لما تتوفر عليه من مساحة للتساؤلات، و الحاجة الى المعرفة العلمية المتخصصة كما كانت عليها مداخلتكم.

لهذا سنحاول في هذه الاسطر القليلة، مناقشة الافكار التي طرحتموها من هذه الزاوية "الفلسفية" إن تمكنا من ذلك، لهذا استسمحكم على أي تقصير قد يشوب هذه المداخلة.

                أولا :
 المحفز المعرفي الذي وجه قراءتكم لهذه الاشكالية و دفع بكم الى مناقشة الموضوع ، و المتمثل في سؤال : هل نحن متخلفون لأننا مسلمين و بالتالي هل الاسلام ، المشكل لمخيالنا الجماعي ، هو المسؤول عن ذلك ؟ محفز موضوعي و شائك في نفس الوقت .
 موضوعي لأنه السؤال الذي يجب أن يطرح بهذا الشكل المباشر ، فلم يعد اليوم ، و نحن في هذه المرحلة الحاسمة من مراحل تاريخنا الاسلامي ، الاختباء وراء مبررات واهية ، علاجا يمكنه أن يشبع شغف العقل العربي الذي بدأ في طرح الاسئلة العميقة و الجوهرية  باحث من خلالها ، عن الاسباب الحقيقية التي تقف وراء حالة ضعفه و تخلفه ، و ما طرحه مالك بن نبي سابقا في ما كتب من مؤلفات خلال اربعينيات هذا القرن و كذا الجابري في مشروعه نقد العقل العربي و اركون في ما كتب من مؤلفات و غيرهم ممن اشتغل بموضوع النهضة ... لخير دليل على الشعور القوي من قبل هذا العقل بضرورة القراءة الصحيحة لخلفيات هذا الضعف .
 و شائك لأنه خطير بمعنيين ( و هنا الخطورة  بمعناها  المعرفي –الإبيستيمولوجي - أي أن التمعن الدقيق، من قبل الدارس ، في جوهر السؤال سيحدد قدرة هذا الاخير في فهم و استيعاب عمق الاشكالية)
1-        أنه – أي التساؤل  - يمس مساحة الاعتقاد  و بالتالي أي خطأ على مستوى التعامل غير الدقيق مع طرح مثل هذا السؤال من حيث استعمال المصطلحات و المفاهيم و إدراك تفاصيل العلاقات المكونة للشعور الديني، سيوفر المبرر الموضوعي لحالة من اللإستقرار  الذهني و النفسي ، و التي بدورها ستضعف حالة التوافق العام للمجتمع ، فنكون بذلك قد ساهمنا من حيث ندري او لا ندري في مضاعفة أزمة المجتمع.
2-      لأهميته المعرفية ، حيث طرح مثل هذا السؤال ايضا ، يؤكد أن البحث و الدراسة الرصينتان يجب أن تذهب إلى عمق الإشكال و تصبر اغواره حتى و إن كان سؤال شكائك و واخز ، لكن من المؤكد أنه سيدفع بالعقل الدارس الى معرفة الاسباب الخفية التي ولدت هكذا أزمة.

 ثانيا :
لقد فصلتم في طرحكم ، بين الدين كنصوص أي الدين في حالته الكلية ( عقيدة و شريعة)  و بين التدين كتصور ذهني تحدثه هذه النصوص في  الفرد ، ليترجم بعد ذلك الى سلوك ، لكن هذا السلوك ليس بالضرورة هو صورة النص كما ارادها النص ، بل هو صورة رسمها الفرد حسب فهمه لهذا النص ، كما أن الفهم هنا خاضع لجملة التمثلات التي اكتسبها الفرد من المجتمع و التاريخ ، ليتشكل على إثر ذلك المخيال الديني ، و قد أطلقتم على هذا التفسير مصطلح التعريف السوسيولوجي لدين ، معتمدين في تعريفكم هذا على مقولات (إدغان موران ... ) نشأت في بيئة ثقافية تختلف اختلافا جوهرين عن البيئة التي تتوجهون اليها بالتحليل و الدراسة ، حيث أن هذه المقولات هي نتيجة لتأملا و تفكيرا و تدقيقا أنتجته التجربة الغربية التي تُخالف فيها صورة الدين مثيلتها في التجربة الاسلامية ، كما أن الطور التاريخي الذي أملى على العقل الغربي استنتاجاته أي طور ما بعد الحداثة ،  ليس هو الطور التاريخي الذي يحوي العالم الاسلامي  اليوم ، هذا من جهة .
و من جهة اخر ، لقد جعلتم من الدين انتاج اجتماعي ، حين اخضعتم مفهومه الى كون التفسيرات و التأويلات العقلية و الذهنية المشكلة للمخيال الديني لدى الفرد،  هي الصورة الواقعية أو العملية للدين ، مما يجعله في اخر المطاف صنيعة بشرية، فهو خاضع لسلطة الواقع أي المجتمع و ليس مستقل عنه، في حين أن احتكاك العقل مع النص ( الذي هو مصدر الدين)  من المنظور الاسلامي يجعل هذا الاخير أي النص ، هو الموجه للعقل حين يدفع به الى مستوى اعلى ( على الاقل من الناحية النظرية ) أي ان الفهوم الناتجة عن احتكاك العقل مع النص ، ترفع مستوى العقل الى درجة تؤل به نحو الكمال و الصفاء ، لأنه يحاول حين ذلك، ان يحاكي غايات النص التي  هي الكمال - حتى و إن كان  بلوغ مثل هذه الحالة امرا غير ممكن باعتراف الدين نفسه - ، و بهذا  تجعل الرؤية  الاسلامية من كون العقل ( الواقع) هو الصورة الكاملة للحقيقة، الى كون الدين هو الصورة الكاملة التي على العقل السعي الى محاكاتها كي يحقق الانسان أو المجتمع اسمى درجات التكيف و الانسجام بين تصوراته و سلوكه. و لعل ما يدفع دائما ، في ما نعتقد ، الى مثل هذه التفسيرات لمفهوم الدين أي كونه صناعة بشرية ،  هو اعتماد المنظور السوسيولوجي وفق الرؤية الغربية و اعتباره أي المنظور السوسيولوجي،  الانموذج الصحيح و الكامل و الاوحد الذي تمكن من التوصل الى تحديد التفاسير العلمية الصحيحة للظواهر الاجتماعية.
 من هنا يجب طرح السؤال التالي هل بإمكاننا أن نفسر تفسير علمي يسمح لنا بادراك جوهر و حقيقة ظاهرة اجتماعية نبتت في فضاء معرفي معين بوسائل علمية نبتت في فضاء معرفي مغاير . أم اننا في حاجة الى دراسة الظاهرة ، و الاكتفاء بالتأمل فيها من خلال إمعان  النظر ، لنتوصل بعد ذلك الى نتائج  يمكن اعتمادها كمعبر موضوعي و  علمي عن هذا الحقل المعرفي ،  و بالتالي كوسائل معرفية نبتت في تربة هذا الاخير ، تصلح لتكون جهازا مفاهيم مناسب له و من ثم تسمح ايضا ، بفهم الظاهرة بعيدا عن أي تشويش مفاهيمي و اصطلاحي  ، يدفع نحو نتائج غير صحيحة أو غير دقيقة ، فنكون بذلك قد حققنا استقلالية مفاهمية عن الحقل المعرفي الاخرى من جهة و بيئنا الدراسة لتكون محكومة بتفاصيل العقل المعرفي العربي الاسلامي مستفيدين من المناهج الغربية و مدركين في نفس الوقت حدود الاستفادة من هذه المناهج خاصة من حيث النتائج التي يتوصل اليها أي من حيث المألات.
  
ثالثا :
لقد اعتمدتم في تبرير أطرحتكم حول لماذا الدين ؟  على مقدمتين أساسيتين :
·       أولها أن الدين عقيدة حضارية ، و هذا من ناحية كوننا مسلمين أمرا لا نختلف حوله، إلا أنه من الناحية الموضوعية و المعرفية يحتاج الى تفسير علمي دقيق يُرتكز عليه ، فالتسليم بكون الدين عقيدة حضارية بدون التأسيس لهذه المقولة تأسيس علمي يعتمد على الاستقراء المنطقي لتاريخ تطور للأديان ، نبين من خلاله علاقة الدين ( الدين بالمطلق)  بالعقل ، أمرا لا يمكن أن يكون عملية برهانية تحدد صحة هذه المقدمة التي اعتمدتم عليها. و اذا جاز لنا أن نلخص هذه الفكرة في سؤال يعكس صورة التي نسعى الى لفت نظركم اليها ، فنقول هل توجد علاقة بين مستوى الخطاب الديني المنزل عبر التاريخ البشري و مستوى تطور العقل خلال هذا التاريخ ؟ أي هل هناك تناسب منطقي بين تعاقب الديانات و تطور مستوى العقل ؟ و جهة أخرى، هل يعني هذا التطور قدرة العقل اليوم وفي هذا الطور التاريخي من أطوار التاريخ البشري على امتلاك المعرفة التي تمكنه من استيعاب فحوى النص المنزل و بالتالي قدرته على إدراك حقيقة الخطاب الديني الالهي و غايته؟  و عليه ، هل كون الاسلام ( القرآن) أخر الديانات و أخر علاقة مباشرة بين السماء و الارض  ، يدلل على أن هذا العقل و صل الى مرحلة الرشد التي تسمح له بتحقيق التناغم الصحيح ( المخيال الاكثر قربا من الدين ) بين التصور و الواقع و بالتالي تحقيق عمران الارض؟.

 من هنا في اعتقادي يمكن البرهنة على كون الدين عقيدة حضارية.

·       ثاني هذه المقدمات ، ارتكازكم على كون دعوة العقل الغربي  العودة الى  الدين مبررا موضوعي في اعتماد فكرة  لماذا الدين ؟ ، حيث أن حاجته الى الدين،  بعد تجربة الحداثة ،  يؤكد في نظركم هذه الفكرة ، وهذه حقيقة تظهرها الكثير من الكتابات الغربية اليوم كما جاء في المحاضرة ، لكن و إذا ربطنا حالة ما بعد الحداثة و دعوتها الى العودة الى الدين بموضوعنا نحن المخيال الاسلامي أي بالإشكالية الاسلامية ، سنجد اختلاف كبير بين المبررات الموضوعية التي تدفع الثقافتين الى العودة الى الديني ، حيث تدعو الاولى اي الغربية الى العودة الى الروحي منه باعتبار مرحلة الحداثة افرغت العالم الغربي من كل ما هو روحي و جعلت منه كتلة مادية لا تؤمن الا بما هو نفعي مصلحي و بالتالي افقدت الجانب الجمالي في الحالة الحضارية الغربية بعدها الاخلاقي .، و هذا راجع في نظرنا الى لطبيعة الخطاب الديني المسيحي اللاهوتي الذي ساد القرون الوسط خاصة و المناقض كلية للعقل، مما تولد عنه تأسيس الحضارة الغربية المعاصرة على التناقض الصارخ بين العقل و الدين (لنقرأ مرحلة طوما الاكويني و فكرة الحقيقة المزدوجة)  ، فكان بذلك هذا التناقض، الموجه الاساسي لناشط و تطور العالم الغربي ، مما حتم على العقل الغربي الناقد أو عقل ما بعد الحداثة الى التوجه اليوم الى المطالبة بعودة الروحي خاصة للحياة الحضارية الغربية و ليس الديني، بالمعنى الكلي للكلمة ، فالعودة الى الديني مشروطة بفصله عن الجانب التشريعي من الدين و الاكتفاء بالبعد الروحي الوجداني فقط.

 و لنقف قليلا (بما تسمح به هذه الورقة) عند هذه الفكرة باعتبارنا نناقش إشكالية مهمة و مفصلية تفرض على العقل العربي الدارس اليوم أن يكون حاذق و  منتبه الى التفاصيل التي حتمة هذه العودة و أن يقرأها قراءة مجهرية تسمح له برؤية دقائق تفاصيل هذه الفكرة و من ثما البناء.

يدرك العقل الغربي اليوم أن ما انتجته الحداثة من حلة العداء لكل ما هو ديني أفقدها حالتها الروحية و أدخلها في غياهب المادية ، كما سبق الحديث ، من هنا كان عليه أن يعيد تسديد اتجاهه  نحو العودة الى الدين، ( و هذه  في رأي ميزة من ميزات العقل الغربي الحديث حيث مكنته التراكمات المعرفية و العلمية التي حققها خلال القرون الاخيرة من القدرة على قراءة المستقبل و إمكانية تعديل المسار في حالة الخطأ )، لكن أي دين هل يعود الى المسيحية التي قد تعود به الى الصراعات الاثنية و الدينية التي شهدتها أوروبا خلال القرون الماضية و بالتالي الى حالة من الفوضة  الجديدة تمتلك هذه المرة عالم من الاشياء – الامكانيات المادية - قد يضاعف درجة التصادم التي قد تندفع اليها أوروبا من جراء ذلك.
أم تدفعه حاجته الى الدين (الروحي) الى تبني الاسلام ، خاصة و أن هذا الاخير اليوم ، لم يعد غريب عن أوروبا حيث تتواجد الجالية الاسلامية بنسبة لا بأس بها و كما يتزايد عدد الغربيين المعتنقين للإسلام بشكل حسب بعض الدراسات الغربية التي تتنبأ بكون الإسلام سيكون الديانة الاكثر انتشارا في أوروبا  خلال العقود القادمة.
لكن السؤال الذي نتصور أن يطرحه العقل الغربي على نفسه ، باعتباره عقل قارء للمستقبل، أمام هذا الاحتمال، هو هل تقبل الخلفية الفكرية المسيحية لهذا العقل تبني هذه المبادئ الاسلامية من جهة ؟
 و ما هي التكلفة التي ستدفعها الحضارة الغربية من حيث مسلماتها و مبادئيها المؤسسة من جراء ذلك، خاصة على مستوى الفصل بين ما هو ديني و ما هو دنيوي ؟ و هي التي تزعم  أن رؤيتها الكونية تعتبر نهاية التاريخ و أن البشرية لا يمكن أن تأتي بأفضل مما أتت به هذه الحضارة. و بالتالي ، الى أي مدى يقبل العقل الغربي أن يعيد الإسلام صياغة الكثير من افكاره وفق رؤيته الكونية ، خاصة تلك المتعلقة بمفهوم الملكية الخاصة و الحرية المطلقة و المرأة  و ... و ... ؟.

أعتقد أن مثل هذه التساؤلات ، ما يجعل العودة الى الديني بالمعنى الكلي للكلمة، في الرؤية الغربي محفوف بكثير من المخاطر ،  لهذا تراه يحاول ابعاد كل ما هو روحي عن مصدره الاساسي و هو الدين أي انه يسعى لجعل الروحي مستقل عن الديني ، و بالتالي جعله انساني أي ليس له لون معين و هذه في اعتقادي طريقة للتخلص و التملص من مأزق الاعتراف بالحقيقة الدينية التي أسس هذا العقل حضارته عليها.

·       أم في سياقنا التاريخي، فالحالة الروحية لم تفارق شعورنا الديني منذ البعثة المحمدية و ذلك راجع الى طبيعة الدين الاسلامي نفسه و الكيفية التي ربط بها الاسلام علاقة المسلم بدينه ( الصلاة ، الصيام ، الحج ...) مما جنبنا حالة الفراغ الروحي الذي تشعر به أوروبا اليوم ، إلا أن عودتنا نحن الى الديني فهي من باب السياسي و ذلك راجع،  في راي ، الى الاشكالية المؤسسة للحالة الاسلامية ، و التي يمكن أن نؤرخ  لها منذ سقيفة بني ساعدة حيث بدأت في التشكل هذه الاشكالية ، مع تبلور ايضا ، بذور تطور العقل السياسي في التاريخ الاسلامي ، و نتيجة لعوامل كثيرة لم يستطع العقل السياسي الاسلامي خلال الفترات التاريخية اللاحقة ( الاموية ، العباسية .... ) من حل المشكلة أو إيجاد لها مصوغا يؤطر الحالة الخلاف السياسي وفق المبادئ الاسلامية ، حيث فقدت الشورى خاصة ، بعدها السياسي و لم تتمكن من التحول من مبدأ ديني الى نظرية سياسية ، ليكشف هذا العجز الحاصل في تاريخنا السياسي ، تمكن العقل الغربي من التوصل الى حل الاشكالية السياسية من خلال تطور مفاهيمها الاساسية ، كمفهوم الديمقراطية و مفهوم الدولة و فكرة الاحزاب  و التداول على السلطة و فكرة الانتخابات ....  و عليه انتبه العقل العربي الاسلامي المعاصر من خلال جمال الدين الافغاني ...  الى امكانية حل مثل هذا الاشكال ، لتظهر بعد ذلك ثنائيات الشورى و الديمقراطية ، الاصالة و المعاصرة .... فتبدأ على إثر ذلك عودة الديني من الباب السياسي ( الصحوة الاسلامية) ، و على إثر ذلك بدأ العقل العربي مقاربة السياسي بالديني، لتظهر، و نتيجة لغياب النموذج الاصيل في تجربتنا التاريخية، عورات كثيرة في الفكر السياسي الاسلامي المعصر، تسعى اليوم بعض المشاريع الفكرية الى اعادة قراءة التراث من أجل بلورة رؤية جديدة قد تساهم في التأسيس لرؤية سياسية عربية/اسلامية معاصرة.



 رابعا :
لقد طرحتم في محاضرتكم حول سؤال المخيال ، اشكالية لماذا يوجد مخيال إسلامي؟ و قد حددتم اسباب ذلك في ثلاثة عناصر هي : - أزمة الوعي الديني ، - وضعية الدين في المجتمع - و السلطة السياسية ، و هذا في راي – اذا سمحتم – لا يدخل في سياق لماذا يوجد مخيال اسلامي ، حيث يمكن اعتماد عنوان اخر لهذا الفصل يكون مناسبا لهذه العناصر الثلاثة.

ام لماذا يوجد مخيال اسلامي ؟ فقد اجبتم عن هذا السؤال من خلال تعريفكم للمخيال ، حين أكدتم أن هذا الاخير ، هو آلية نفسية/عقلية ضرورية في عملية انتاج السلوك ،فلا يمكن تصور حدوث اي العملية الذهنية تنعكس على الواقع بدون هذه الآلية ، إذا تعد الوسيط بين الافكار – القيم العليا - و الواقع – القيم السفل - .  و في حالتنا نحن بين النصوص الدينية (القرآن و السنة) و الواقع السلوكي (المجتمع) ، و هذه في رأي فكرة دقيقة ، إذ أنها ، أي مرحلة تشكُل التمثلات الذهنية ، يدلل على حاجة العقل عند تحويل فكرة ما الى واقع ، الى إعادة انتاجها من خلال نسخ صورة ذهنية لها – الفهم – تمكنه من تحويل هذه الافكار الى واقع ، بسبب عدم قدرته ، أي العقل ، على الادراك الكلي للنص و الاحاطة بجميع مقاصده من جهة و عدم قدرة الواقع من جهة ثانية ، على تجشم حمولة قيم النص ايضا ، لما يحتويه هذا الواقع من عوائق مشوشة و مكدرة لصفاء الذهن. من هنا يصبح المخيل الوسيلة الوحيدة التي تمكن هذه الافكار من التواجد على ارض الواقع، لهذا يحتمل عندها اتجاه الفهم، إما نحو الانصياع الكلي لهذه المشوشات و المكدرات فيعود مساره خاضعا لها، أو يؤل عندها الفهم الى الاتجاه نحو الكمال بقدر ما استطاع الفرد التملص من سطوة الغرائز. لكن ليس الكمال ذاته لأن هذا الاخير لا يمكن أن يتحقق إلا مع النص في حالته الخالصة.

و عليه يمكن طرح السؤال التالي متى يكون المخيال صورة مقاربة للنص؟ .
أو متى تكون صورة المخيال رسما يقارب الكمال؟

و نحن نحاول مناقشة فكرة المخيال ، يجب أن لا يغيب عن الذهن ، أن عملية التفكير التي هي الجهاز المنشأ لجملة التمثلات الذهنية المشكلة للمخيال ، تحدث تحت ضغط سلطتي  العقل ( المعارف العلمية ) و الغرائز ( المكبوتات النفسية ) ، مما يجعل صوابية مخرجات هذه العملية ، أي تشكل مخيال يؤل نحو غايات النص كما يحددها هذا الاخير،  مشروط بمدى الصفاء الذهني للفرد ، و الذي بدوره لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استطاع هذا الاخير – الفرد -  التملص من سطوة الغرائز. فكلما كانت العملية الذهنية بعيدة عن افرازات الغرائز،  كانت صورة تمثلاتها الذهنية اكثر صفاء و بالتالي أكثر قربا من النص، لهذا قد يؤثر الحقد مثلا ، الذي هو من افرازات غريزة حب الذات ، سلبا على صورة المخالف لنا عقائديا أو جنسيا أو عرقيا ... كما ارادها النص على تمثلنا له. كما قد تأثر ايضا ، افرازات غريزة حب التملك في تمثلنا الذهني لصورة الحق و الواجب أو الخير و الشر ... و تذهب به بعيدا عن غايات الدين ، الى اخره من الامثلة التي يمكن أن توضح لنا تأثير الغرائز في صورة التمثلات الذهنية المشكلة للمخيال.

من هنا في ما نعتقد ، تأخذ أزمة الوعي الديني في مجالنا المعرفي ، مبرراتها النفسية و الموضوعية ، حيث يرجع تشكل هذه الازمة ، في حقيقة الامر ،  الى صورة التمثلات الذهنية المشوهة لغايات النص الديني، بفعل التعويض النفسي الذي يخضع اليه الفرد - إذا ما نظرنا الى الموضوع من الزاوية علم النفس التحليلي - و التي لا يمكن وصفها إلا بكونها تنتمي الى عالم الغرائز ، حيث لم يتمكن العقل لحظة  تمثله لصورة التعاليم الدينية التي حث عليها النص ، من الفصل بين ما هو ذاتي أي خاضع لرغبات الفرد الغرائزية من خلال جعل مسافة مناسبة بينه و بين النص ، و بين ما هو موضوعي أي المراد من دعوة النص الى مثل هكذا فعل ، بسبب ما تلقاه الفرد من تكوين فكري و ثقافي و تربوي ... ، انعكس اساسا على تصوره  المبدئي لمفهومي الديني و العقلي ، إذ ترسخ في ذهن الفرد المسلم ، أن الدين لا يمكن أن يُفهم بالعقل و أن هذا الاخير ، أداة غريبة عن الدين ، و أن فهم النصوص القرآني يخضع لآليات أخرى ، لا يمكن أن يدركها إلا من اعتقد بالتناقض بين الديني و العقلي، خاصة و أن مفهوم العقل في مخيالنا الجمعي، مرتبط بشكل أو بأخر، بكونه بدعة غربية، و امام هكذا تصور ، في ما نعتقد، تتسرب افرازات الغرائز الى فهوم الفرد الدينية و تأويلاته، فعوض أن تكون قراءة النص نابعة من النص ذاته أي خاضعة لقواعد علمية و منطقية – عقلية -  موصلة الى نتائج تؤل الى الصحة (الكمال)، تصبح هذه الاخيرة ، قراءة مشوهة بتفاعلات افرازات هذه الغرائز، و حينها يحدث التناقض بين التصور و السلوك و يعود الواقع غير معبرا تعبيرا دقيقا عن غايات الدين (النص) ، ليلجأ الفرد عند ذلك ، و في سعيه الى إثبات صحة قراءته لنص ، الى التبرير و المواربة خاصة عند الفئة " المتدينة" عند ادراكها لفحوى التناقض الذي يحويه خطابها "الديني"، مما يفصح عن حقيقة موضوعية و هي أن الدين لم يعد يؤثر و يتحكم في سلوك هذا الاخير ، إنما انتقل عنصر التأثير و التحكم  الى رغباته و مصالحه الذاتية، فيتحول المجتمع بفعل سطوة الغرائز على التمثلات الذهنية للفرد ، الى مجتمع يعيش وضعية من النفاق ، تتولد عنها بالضرورة ، حلة من التناقض تكون الازمة هي المعبر الصريح عنه ، حيث اضحى الدين (المتخيل) في المجتمع ، في وضعية غير طبيعة و لم يعد يؤدي دوره الاجتماعي الصحيح ، إنما إنزاح هذا دور ، في هذا الطور من اطوار التطور الاجتماعي أي طور ما بعد الحضارة و الذي هو الحالة التي عليها الامة الاسلامية اليوم ، لصالح السياسة التي أصبحت، و بفعل مركزية وجودها في طبيعة العمران بالتعبير الخلدوني، تحكم  توجهات المجتمع و تصرفاته.

و عليه يمكن أن نطرح السؤال التالي :
هل توجد علاقة بين الغريزة و الفعل السياسي عند هذه اللحظة المشكلة لتناقض ؟
أي هل يخضع الفعل السياسة حينها للغرائز ام للعقل ؟.

إن محاولة الاجابة عن هذا السؤال في رأيي ، تفرض علينا أولا تحديد معنى الغرائز ، إذ يعد القيام بذلك مقدمة ضرورية لمعرفة العلاقة بينها و بين السياسة ، لهذا ازعم أن فعل الانسان لا يخرج عن محددين اثنين ،  العقل و الغريزة (كما سبقة الاشارة) ، في حين يحوي العقل المعارف و الملكات ... ، تحوي الغريزة ، غريزتي حب التملك و حب البقاء ، فهذين الاخرين هما الغريزتان المؤسستان لجملة غرائز البشر الاخرى، حيث إذا تأملنا هذه الاخيرة (أي باقي الغرائز البشرية ) نجدها لا تخرج عن نطاقهما ، بل نجد صورتهما ممثلة في جميعها، فالغريزة الجنسية و إذا نظرنا اليه بعيدا عن الشهوانية، لا تعدوا أن تكون تعبيرا لا شعوريا عن رغبة الفرد في البقاء من خلال خلود اسمه في نسله، كما تعبر في الوقت نفسه عن رغبة الانسان في الامتلاك و الاستحواذ، امتلاك الرجل للمرأة أو امتلاك المرأة للرجل.

و لما كانت السياسة فعل من افعال الانسان، كانت هي الاخرى محكومة بالمحددين سلفي الذكر أي العقل و الغريزة، فكلما كان الفعل السياسي متجه نحو العقل او المعقولية كانت صورته موسومة بتحقيق أهداف بعيدة عن الفردانية و الذاتية، إنما متجهة في غاياتها نحو الجماعة و هذه الحالة هي الحالة التي نطلق عليها حالة الحضارة فأنسان اجتماعي بطبعه. و كلما كان هذا الفعل – الفعل السياسي - متجه نحو الغرائز كانت صورته موسومة بالنزعة الفردية و هذه الحالة لا يمكن أن تكون ألا حالة مجتمع يعيش خارج الحضارة، إذ تسعى ممارسة السياسة حينها، الى اشباع غرائز الفرد و ليس تحقيق حاجات المجتمع ، لهذا ترى السياسي في عالمنا العربي اليوم، يسعى بشكل شعوري أو لا شعوري الى تحقيق هذين الغريزتين، حيث تظهر صورة الاولى في سعيه الى التأثير في الجماهير ، فهو يشعر حين ذك، بلذة الامتلاك سواء كان هذا الامتلاك، امتلاك اصوات هذا الجمهور أو ما يمكن أن يحققه له الفعل السياسي من امتيازات أو غنائم، كما يشعر ايضا في خضم ذلك الشعور بالامتلاك ، بالخلود و البقاء ، حين تردد الجماهير بصوة واحدا اسمه في الساحات و الاماكن العامة و تكتب عن انجازاته الصحف و المجلات و يتحدث عنه العام و الخاص ، و لعل الكلمة التي قالها هيجل عن نابوليون حين دخل هذا الاخير بروسيا تدلل تدليلا واضحا عن جوهر شعور السياسي لحظة تزعمه للمجتمع حيث قال " ها هو روح التاريخ يمتطي صهوة جواده" فقد اصبح نابوليون و التاريخ صورتان لعملة واحدة.

خامسا :
لقد أشرتم في محاضرتكم الى العلاقة الجدلية بين الدين و السياسة و جعلتم من هذه العلاقة ، علاقة تصادم و احتواء دائمين، يسعى كل طرف الى إخضاع الاخر و توظيفه لصالحه كلما تمكن أحدهم من الاخر، فقد استطاع الدين أن يأخذ زمام المبادرة و يحوي السياسة لصالحه في فترة النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الرشدين، لتتغير هذه الصورة بعيد انتقال الخلافة الى ملك مع بني أمية، حيث تمكن السياسي من احتواء الدين و توظيفه من أجل تبرير سلطته و استتباب حكمه و جعل منه عربة تجر السياسي الى غايات هذه الاخيرة، هذه الصورة لتزال قائمة الى يومنا هذا ، فجميع السلط السياسية اليوم في العالم العربي و غير العالم العربي ، تمارس هذه الحبكة التي أسس لها الانسان منذ أن شعر بحاجته الى توظيف كل شيء من أجل تحقيق مصالحه.
في رأي هذا التحليل إذا اعتمدنه كعرض حال لوضعية الديني و السياسي في عالمنا العربي خاصة ، لا يمكن أن نختلف حوله ، فالصورة التي رسمتموها لنا من خلال عرضكم هذا، صورة واقعية و حقيقية ، لكن إذا حاولنا مناقشتها مناقشة معرفية ايبيستيمولوجية تحت ضوء إشكالية المخيال الاسلامي و التزامنا بالإجابة عن السؤال الذي طرحناه سلفا، فاعتقد أننا في حاجة الى النظر اليها من زاوية مختلفة.

1-        حيث أول ملاحظة يمكن أن ينتبه اليها المتأمل في تحليلكم القيم ، انه يضمر فكرة أساسية استطاع العقل الغربي و نتيجة لتجربته التاريخية، أن يفرضها كمسلمة أصبحت تحكم تصورنا حول مفهوم السياسة، و هو الفصل بين ما هو ديني و بين ما هو سياسي، مما يجعل من فكرتي الصراع و الاحتواء ، التي اعتمدتموها كنتيجة لهذه العلاقة أي جدلية الديني و السياسي، استنتاج متوقع و تابع لفكرة الفصل ، في حين و إذا حددنا مجال التعريف، كما يقال في الرياضيات ، و ربطنا مفهوم السياسة بالتجربة الاسلامية في مرحلتها الاولى ، نجد أن هذه التجربة توصل الى نتائج مختلفة و مغايرة تمام لتجربة الغربية ، حيث يظهر التأمل و النظر في التجربة الاسلامية، أن هناك مزج بين الديني و السياسي ، و أن الفعل السياسي حينها ، لم يكن شيء غريبا عن هذه الاخيرة ، ليس لان السياسة جزء من الدين و لكن لكون النشاط البشري الاجتماعي يحتمل ضرورةً وجود الفعل السياسي و أن الفعل الديني أصلا جاء ليتعاطى تفاعلا مع الوضع الاجتماعي، من هنا كانت وظيفة النبي صلى الله عليه و سلم في بعدا من أبعادها وظيفة سياسية ، فهناك تداخل عضوي بين الديني و السياسي، و قد اكدتم هذا خلال عرضكم لعلاقة الدين بالسياسة في فترة الوحي ، الا أنكم طرحتم القضية من منطلق احتواء الديني لسياسي أي من منطلق توظيف الدين لها و ليس من منطلق أنها فعل أصيل في نشاط الاجتماعي للإنسان تقتضه بالضرورة وظيفة الدين،  مما يوشي بفكرة الفصل التي في نظري يجب اعادة قراءتها بشكل موضوعي.

2-     لعل فكرة الميل الى الفصل بين الديني والسياسي ، التي أشرنا اليها سلفا ، تجد لها مبررا في ثقافتنا المعاصرة، يدفع الجميع نحو الاعتقاد بهذا الحكم دون التساؤل عن صحة ذلك، فصورة السياسة في تمثلنا الذهني ، تنتمي الى المدنس، كما ينتمي الديني الى المقدس، مما يجعل العلاقة بين المدنس و المقدس شيء فيه فظاظة.
لكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه و نحن نحاول الخروج من ضغط التجربة الغربية ( على الاقل محاولين ذلك) و التأسيس لرؤية مغايرة تعيد النظر في بعض المسلمات التي فرضها العقل الغربي على الفكر المعاصر، فأضحت هذه المسلمات  كالقوانين التي تحكم عالم الفيزياء. هو هل فعلا السياسة تنتمي الى المدنس ؟ أم اننا تعودنا النظر اليها بهذا الشكل و بالتالي ممارستها تحت هذا الشعار.
لعل هذه الفكرة التي اصبحت تحكم موقفنا من السياسة، تأخذ لها سندا من الصورة التي رسمها ميكيافيل، حين فصل بينها و بين  الاخلاق في كتابه الامير، فقد نقل بهذا الفصل، هذا العقل الغربي، مستوى التعاطي السياسي من عالم القيم الى عالم الغرائز و ربطها بشكل من الاشكال بأقواها تجدرا في الانسان (غريزة حب البقاء و حب التملك) حيث سجل في نظريته أن في عالم السياسة، الغاية تبرر الوسيلة و أن أهداف السياسي و رغباته تلغي أي قيمة تتنافى و هذه الاهداف أو هذه الرغبات. ليتشكل مفهوم السياسة في مخيالنا الجمعي وفق هذه الصورة المشوهة، فتعطي بذلك للسياسي مبررا مقنعا ليكون في منئ عن أي قلق نفسي (صحوة ضمير ممكنة) أو حرج أخلاقي حين يمارس فعل السياسة، فقد اضحى هذا  المبرر بلسم يتعاطاه لا شعوري حين يمارس السياسة تحت سطوة الغريزة، على الرغم من أن الكثير ممن نظٌر لهذا المفهوم في الفكر السياسي من غير ميكيافيال، نَظَرَ اليها نظرة أخلاقية و اعتبراها فن شريف ، فقد عرفها ابن خلدون بكونها  صناعة الخير العام، كما عرفها ايضا ديفيد روبير على انها التوزيع السلطوي للقيم من أجل المجتمع.

من هنا و من منطلق اعادة الاخلاق الى السياسة من خلال اعادة اخراجها من عالم الغرائز، الذي وضعها ضمنه  العقل الغربي، تظهر فكرة تجديد العلاقة بين الديني و السياسي، فلا يممكن في اعتقادي، إعادة صياغة هذا المفهوم وفق رؤية تجديدية ليتشكل على إثرها مجددا في مخيالنا الجمعي،  إلا إذا تبنينا هذه الرؤية ونظرنا الى السياسة على أنها فن شريف يسعى الفرد من خلاله الى تحقيق خدمة جليلة للجماعة، وأن اعتماد الصورة التي رسمها  ميكيافيل كخلفية فكرية حققت إجماع موهوم ، ليست هي الصورة الميثالية التي يمكن اعتمادها، خاصة وأننا نتعامل من خلال إشكاليتنا هذه، أي المخيل الاسلامي، مع رؤية اسلامية تعتمد في ترتيب عناصر معادلة القيم أو معادلة التوجيه، اذا عتمدنا الرؤية البنابية، على كون المبدأ الاخلاقي عنصر سابق لجملة العناصر المكونة لهذه المعادلة والتي صاغها الاستاذ مالك بن نبي في حديثه عن اتجاه حضارة : مبدأ أخلاقي + ذوق جمالي = اتجاه حضاري.

هذه بعض الافكار التي اردت أن اناقشكم فيها استاذي الكريم و التي اجد أنها فعلا جديرة بالمناقشة لكونها تمس عصب الاشكالية الاسلامية اليوم، و عندما اقول الاشكالية الاسلامية اعني العقل الاسلامي ككل ، تيار اسلامي أو علماني أو وطني، لأن جميع هذه التيارات الفكرية من حيث تدري أو لا تدري تنتمي الى هذا المجال المعرفي الذي نسميه الاسلامي – اليبيستميا -  مما يحتم الوعي مشكلاتها بروح علمية نقدية، كما جاء في محاضرتكم، من أجل المساهمة في الخروج من ضغط التجربة الغربية، ليس لأنها غربية، بل لأن تبيئة الفعل النقدي حاجة علمية ضرورية  كي يستطيع العقل الناقد أو الدارس،  إدراك جوهر الإشكالية و بالتالي تسديد مسار الحلول نحو الفعالية.
كما اشكركم مسبقا على سعة صدركم و اعتذر على طول المدة التي قضيتها في محاولة مناقشتكم.

اخوكم عبد الحميد سي ناصر
05‑03‑2018


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *