جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

الجريمة و الضمير

العقيد بن دحو




دون شك معظمنا يكون قد قرأ أو شاهد فيلما للرواية الملحة الإنسانية " الجريمة و العقاب" للكاتب الروسي ( طولستوي) , بل نكون قد درسنا بفلسفة الفن الدرامي , ولا سيما الكلاسيكية منها ذو مذهب القبود أو المدرسة التقليدية الأرسطية , وجاءت تحت شعار متسائل : " هل الجريمة تفيد " !؟

 تكون الإجابة جميع النصوص الإغريقية القديمة تلم ما قبل التاريخ و الشبيهة بالتاريخ الدرامية منها المأساة التراجيديا , و الدرامية الكوميدية الملهاة. في كل مرة يقود القضاء  و القدر ( البطل) الى اقتراف الذنب أو الأثم الى اقتراف جريمة , ثم تأتي بعد الحدث المعالجة الدرامية , على أساس مهما كانت قوة وجبروت و سلطة المجرم إلا أن العدالة لا بد أن تتخذ بالأخير مجراها و تقوده الى العدالة و الجزاء الذي يستحقه.

لم يقوم ( القضاء و القدر) عبثا بهذا الفعل الشنيع على البطل جزافا , او لمرض نفسي التلذذ بعذابات البطل , وانما من أجل غايات نبيلة انسانية بالمقام الأول ألا  و هما (التطهير) و ( التكفير) أو ( الكاتارسيز) أو (cathersis).

أي التطهير من أدران انفعالات النفس الى حد البكاء الشديد أو الضحك الشديد , ينسى من خلالهما الجمهور المتفرج همومهم و مشاكلهم اليومية و لو لبعض الوقت و هكذا ذوليك.................!.

كثيرة هي الوقائع و الأحداث عجزت ( العدالة) المدنية ايجاد لها الحل , وظلت في قبو و دهاليز المؤجل الى سنين طوال , بينما ( العدالة الشعرية) تمكنت من ايجاد الحل و لأقصة و اصعب القضايا الجزائية. و هذا لكون الفن سابق عن لا حق الحياة.

 وعليه يوعز كبار النقاد و الدارسون و الراسخون بالعلم الدرامي الى ما أحوج رجال القانون و العدالة الى أكثر من أي وقت مضى الى الفن الدرامي , ولاسيما الكلاسيكي / التقليدي التراجيدي , ليقتبسوا لقضاياهم أكثر من أي وقت مضى , لذا نجد كثير هم القضاة و الشرطة ما يعودون الى مشاهد تمثيلية ليتمكنوا من أثار و أحداث مخرجات الجريمة ( محاكاة) ثم تقارن مع الواقع.

اذن هناك عدالتين ( عدالة شعرية) ما يتركه المؤلف او الكاتب على نصوصه أو على اعماله الفنية عموما , و ( المحاكم الجزائية المدنية المتعاهد عليها.

إلاّ أن في كل مرة تطرح ( الجريمة) شيئ أخر من اعماق الذات الفاعلة ألاّ و هو ( الضمير) , و الضمير عمل وجداني نفسي عقلي يوقظ المشاعر المذنبة و يقود ( المجرم) الى الإعتراف بوقائع جريمته.

لقد أٌصطلح عليه حديثا ( بشرطي الأعماق) , وهو الذي يقبض في أي لحظة من اللحظات , يمسك بتلابيب المجرم الفار أو الهارب من العدالة , و يجعل المجرم يسلم نفسه للشرطة المدنية التي تقوده او تسلمه بدورها الى المحكمة , و يتم الحٌكم عليه بالأخير.

يمثل ( الضمير) أو يجسدها بالأسطورة الإغريقية أسطورة (بروميثيوس).

(بروميثيوس) / أحد الجبابرة , سرق أو واهب النار من السماء الى البشر - لذا يسمى أبا البشرية أو جد البشرية- فعوقب بربطه الى صخرة حيث كان ( نسر) بنهش كبده كل يوم , و يعود صحيحا في الليل. انقذه هرقل.

ما مهنى هذه الفقرة الأسطورية , ومن حيث الأسطورة ميراث الفنون كما يقول ( نيكولاس فريده) معاناها : أحيانا لا بد على الإنسان أن يغذي نسر ضميره بالندم , و مهما يكن ( الندم ) أنفع للناس أولئك الذين لهم قيمة انسانبة.

إلاّ أحيانا علمنا الفن ومن خلاله الحياة أن على الإنسان أن يتخلى نهائيا عن كبده , أن يقتل نسر ضميره , ونجد هذا ابان محاربة الإستعمار  أو بالقضايا الوطنبة الكبرى أن يتخلى الوطني المجاهد المحارب عن ضميره من أجل المصلحة العامة , وشاعدنا هذا في  رواية ( صقر مالطا) أين الجندي النازي الألماني يقتل ضميره ( نسره) , ويسلم عشيقته حبيبته و الدموع تنهمر على خذيه الى كرسي الإعتراف , ومنه الى كرسي الإعدام , وهو يشرح لها بدم بارد لماذا يقوم بهذا العمل !؟

لأن المال , النجاح وحياته أهم من كل شيئ , من أي شعور و احساس. و عندما تسأله :

- ألم تعد تحبني ؟

- ( يجيبها بدم بارد) : لا أفهم لهذه العبارة معنى. وهل فهمها أحد في يوم من الأيام ؟ و لنفرض أني أحبك , فماذا بعد ؟ ربما لا أحبك في الشهر القادم...قكيف يكون الحال . سأشعر أني كنت ساذجا . ولو فعلت ذلك و ألقي بي في السجن فسيتأكد لدي أني قمت بدور الساذج , أما اذا أرسلتك أنت الى السجن فسوف أحزن و أمضي ليالي قلقة....لكنها سوف تمر. / رواية / ( داشيل هاميت).

يقابلها بالتعبير الدارج الجزائري : " قبل أن تبكي أمّا تبكي أمك " .

 و بين (بروميثيوس) و ( النسر) , و بين الجريمة و الضمير , تظل - شئنا أم أبينا- العدالة فن من الفنون حتى ان كان القاضي لا يبتسم إلا نادرا , كون ( التراجيديات) المأسوية سرقت منه و هج الابتسام.

 الحمد لله على الوازع الأخلاقي الضمير و إلا ظلت معظم القضايا مؤجلة وبلا أحكام.

 و الأن سيظل السؤال نفسه : هل الجريمة تفيد ؟


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *