الاحصاء الوطني الأدبي الشامل
العقيد بن دحو
على اعتبار لا يمكن فصل الادب عن الظاهرة الإجتماعية، و كل ما يجري في
المجتمع من ستاتيكيات و تحولات و تغييرات
تشير حضاريا لا يمكن فصل الاحصاء الوطني للمكان التي تشرف عليه كل دورية و
تتابع محدد زمنيا وزارة الداخلية و الجماعات المحلية ؛ عن الاحصاء الوطني للادباء
التي من المفروض ان تشرف عليه وزارة الثقافة و الفنون ، و وزارة التعليم العالي و
البحث العلمي ؛ بل جميع افراد المجتمع ؛ على اعتبار الادب جزء لا يتجزا من الثقافة
و الفنون ؛ ما يجب ان يتعلمه المرء بعد ان يتعلم كل شيئ ؛ و ما يبقى بعد ان نخسر
كل شيئ !.
تبدو الفكرة عندنا غريبة نوعا ما ، بل تدعو للقلق عند اطراف كسالى ، تراهم
نائمين في العسل ؛ فجأة يصلهم اندارا
مبكرا ؛ ما يقلهم و يقض مضاجعهم المخملية ( صح النوم) ! .
يذكرهم بأن هناك شيئ ما قومي وطني لا يمكن أن يظل مسكوتا عنه إلى الأبد
؛ الا هو الاحصاء الوطني للادب و للادباء
و لسائر الفنانين و المثقفين ، اذ لا يمكن أن ترى للدولة من جانب واحد فقط دون
الفئات او الجماعات او القطاعات الانتلجونسيا المفكرة المبدعة !.
ان الاحصاء الأدبي كما هو جاري به في الدول العظمى و الكبرى مثل فرنسا ،
أسبانيا ، إيطاليا ، بريطانيا، و الولايات المتحدة الأمريكية هو ظاهرة اجتماعية تنتمي اصلا و
فعلا؛ كما و كيفا ؛ و نوعا و فرعا إلى علم سوسيولوجة الادب.
وقد تعنى بعمل جماعي من الكتاب / المبدعين / الفنانين / الأدباء/ المثقفين
- كون الادب ينتمي إلى جماعة او قربى المثقفين - الذين يخضعون عبر العصور ،
لتغيرات شبيهة بالتغيرات التي تصيب الجماعات البشرية الاخرى كلها ، كالشيخوخة
وتجدد الشباب و الاكتظاظ السكاني و المناطق التي تخلو من السكان.
ذاك ان غاية الاحصاء الأدبي ان يستهدف
مخرجات مشروعا قوميا وطنيا ثقافيا جادا خلاقا ، نابع عن مجهود الدولة ضمن
فهرس او دليل او (ثيوغونيا) / Theogonie وطنية قومية من خلالها يتم رصد وسبر عدد
الكتاب الأدباء الفنانين الجزائريين ، ليست حسب أعمارهم الفيزيولوجية و انما
أعمارهم الأدبية، و مختلف الأجيال، و كذا حسب المصنفات الأدبية المذهبية و
المدرسية ، و حسب الجنس الأدبي.
الاحصاء الوطني للادب و الأدباء يبحث في ظاهرة نمو و تفوق وظهور جنس ادبي
عن جنس آخر، و لماذا يميل الأدباء إلى هذا النوع او ذاك ، و ايضا من الجنسين الادب
النسائي و الادب الرجالي. وحالة الفقر و الغنى الذي يعيشها قطاعات معينة.
الملاحظ ان الأجيال الأدبية تختلف عن الأجيال الاحيائية بأنها تؤلف جماعات
قابلة لان تعين وترصد و تدرس هوية وعددا؛ تحت مسمى قطاعات . وعلى العكس توزيع
جماعات الأعمار بين سكان بلد ما يتغير ببطء و ضمن حدود ضيقة . وهرم الأعمار لسكان
بلد يختلف عن شكل ( الجرس) المثالية التي
تؤولها علم الاحصاء البشري بعدد من التفاصيل المميزة.
بينما هرم الأعمار لجماعة ادبية لا يمكن ردها إلى نموذج مثالية من جراء ضيق
او اتساع ماسوي تراجيدي
الهرم المعكوس او الجرس المعكوس أين يغيب كبار المؤلفين حسب كبر السن
، تزدهر فيه فئة الشباب او تختفي فئة اخرى
تماما عن المشهد الأدبي، في الغالب ما تبدأ عند سن العشرين حتى الخمس و العشرين و
تنتهي عند سن التسعين. دون ان ننسى تأثير الحروب و الاوبئة و مظاهر الفقر و الحكم
السياسي الجائر في بلد ما الذي كان معاديا للادباء و المثقفين كما هو في فترة
نابليون بونابرت او في الفترة النازية الهتليرية او الفاشية الإيطالية او
الديكتاتورية الاسبانية...وكل عداء للادب لأسباب دينية او عرقية او تاريخية او
لغوية او حتى عنصرية.
ان دراسة منهجية لهرم الأعمار عبر القرون تسمح بالتأكيد ان جيلا من الكتاب
لا يظهر قبل أن تكون اكثرية الجيل السابق قد تجاوزت عتبة الاربعين سنة. وبعدها كل
شيئ يحدث و كان الازدهار غير ممكن الابعد تجاوز عتبة ما يطلق عليها عتبة التوازن و
عندما يضعف صنف الكتاب القائمين بحيث يرضخون لتاثير الشباب .
ينتج عن كل هذا ، و عندما يتم الحديث عن جيل معين من الكتاب فالتاربخ
المعبر عنه لا يمكن أن يكون تاريخ الولادة الفيزيولوجية، المسجل في دفتر سجلات المواليد لدى بلدية مسقط راسه او لدى
الجماعات المحلية او حتى سن العشرين . اذ في الواقع لا يولد المرء كاتبا ؛ و ملعقة
إبداع ذهبية في فمه بل يتم ذلك مع الوقت ؛ و من النادر ان يصل إلى غايته عند سن العشرين.
واذا كان الدارسين و الباحثين حددوا تاريخا لظهور الاديب رمزيا لتسهيل
الدراسة ؛ فهم ايضا يحددوا تاريخا لبلوغ
الكمال الذهبي الأدبي عند سن الاربعين من العمر .
لقد قيل ان الشباب و اليافعين يمضون وقتهم عند سن (14 -18) في احلام النوم
و في احلام اليقظة . غير ان الحلم ليس شعرا. ثم يصير هؤلاء شعراء عند سن (30- 50)
، إذا ما حولوا احلامهم إلى صور التي هي مرحلة الشعر ؛ ثم بعدها قد يصبح ناقدا او
فيلسوفا.
اذن لو كان لنا احصاءا ادبيا ما
عشنا هذا المرض الأدبي الذي نعيشه اليوم ، أين يعيش الاديب تجوالا ادبيا فرضيا لم
يسبق له مثيل او كان يقسم الادب على جهات اقليمية من الوطن او لأسباب اسلوبية
لغوية صرفة...مع الايام تتكتل الجهوية لان تصبح طائفية او عنصرية.
أهمية الاحصاء الأدبي الشامل للادباء و للجنس الأدبي ذاته و بيئته و محيطه
أهمية بمكان ، من خلاله يمكن وزارة الثقافة و الفنون من إعداد الخريطة الثقافية و
الإدارية و الوطنية ، و من خلالها يتم إعداد البرامج و المناهج و المساطر و السنن
و التشريعات الثقافية عن يقين و علم ، عندما يتم من خلالها الاعداد الثقافي العام
للوطن عبر ميديرياتها و دور الثقافة و المرفق العام ، الذي يصبح فعلا من أهم
وظائفه الأساسية الاسية إعادة التوازن ما
بين الإنسان و المحيط.
الاحصاء الأدبي من خلاله يتم هندسة مشروع وطني جديد قومي للثقافة و
المثقفين مع ضمان المكون الأصالة و المعاصرة و المحافظة على القيم و التوابث
الوطنية ؛ و على اعتبار الأدباء مهندسي الروح كما قال ستالين تخطيط، تنظيم، مراقبة
، متابعة ، معالجة ، اتحاذ القرار ، و تقييما تقويما.
لا يمكن العبور إلى المتفاعلات و المخرجات الثقافية دون ان تكون المدخلات و
المعلومات في شتى ربوع الوطن صحيحة. ولن يتاتى هذا الا عبر " جرس مقلوب"
يتم فيها دراسة هرم الأعمار و الانتاج و الإبداع و التمويل و التجارة و الاقتصاد
ضمن سبر او رصد دوري جيبي اهتزاز تواتري يسمى الاحصاء الأدبي الشامل على الأقل كل
عقدةمن الزمن او كل عقدين من الزمن او عبر كل جيل ادبي و هكذا دواليك.
ان وجود اي أديب على الرقعة الجغرافية للوطن أهمية بمكان بقدر ما تطرح
تاويلات سيكولوجية اجتماعية ثقافية اقتصادية تطورية في حياة المجتمع ، بقدر ما
تطرح انشغالات اخرى . دعنا بكل شجاعة نقولها انشغالات أمنية ايضا.
ولكن عندما تضعها في رصد او سبر ما من جانبها الاخر و تاويلاتها الاخرى....
البعيدة عن الكشف و المتابعة حتى لا اقول بعيدة عن المراقبة !.
الاحصاء الشامل الأدبي يعيد ترتيب البيت الثقافي و الفني عندنا من جديد ، و
يمكن من احقاق الحق كان يطلب الأدباء من دولتهم حقا لا صدقة ، كما تطالبهم دولتهم
من جهلها على ازدهار مدنهم التي وولدوا فيها ولادتين ؛ ولادة فيزيولوجية طبيعية
وولادة ادبية ، كما يشهدون عند كل دورة تاريخية على الأقل احصائين ، أحصاء وطني
اجتماعي للساكنة و السكان ، و احصاء ادبي فني للادباء مهندسي الروح ، ملح الخليقة
، ويعيدون التوازن السياسي الاجتماعي الثقافي الاقتصادي للشعب و للامة، في حدود
انتشار السلم والتسامح والحرية و المساواة و العدل ضمن لعبة الحضارة الديمقراطية
او ما بعد الديمقراطية اذا ما عاشوا و تعايشوا نع ما بعد الحداثة.
التي لا يمكن أن نعيش فيها بلا أرقام و لا محاسبة و لا تقييم و لا تقويم من
اين ننطلق و إلى اي نقطة المستهدف
الوصول اليها.