المطالعة الرجالية و المطالعة النسائية
العقيد بن دحو
وكما ان هناك فرق في السياسة و لا سيما الاقبال على صناديق التصويت من
عدمها ، و كما يوجد فرق في الكتابة بين ما تكتبه وتؤلفه المراة و ما يكتبه ويؤلفه الرجل ، حتما يوجد فرق بين مطالعة او ما
تقراه المراة ؛ و بين ما يطالعه او يقراه الرجل !.
هذه الحالة او كما صار يطلق عليها بصفة عامة لدى الجنسين " بالمقروئية
" ، تطرح بدورها عدة اشكالات و تاويلات اجتماعية سوسيولوجية، سيكولوجية ،
ثقافية ، و حتى سياسية اقتصادية.
كون المراة نالت حقها كصوت نسوي ، مشارك او عضوي قي الجماعة الانتخابية
الحزبية الا مؤخرا.
كان لا بد لنا ان نمر على هذه النقطة الفاصلة في التاريخ لاية قراءة
موضوعية متعلقة بالمراة ، و نعرفة مدى حجم و كتلة انتمائها بالجماعات الوطنية ، و
الا ما جدوى الاحصاءات الشاملة التي تقوم بها الدول من حين الى اخر ، حتى يتسنى
لها ، و تدرك عن يقين ، وبحث ودراسة مدى الانسجام اولا بين الجنسين ، و
الخلل الذي يمس الاسر ، و اين تسند مشاريعها المستقبلية و اثرها الرجعي ، ناهيك عن
التقارير التي تصل دوريا الى الدولة من القاعدة الى القمة دوريا ، عبر مختلف
شركائها الاجتماعيين المنتخبين منهم و المعينين .
واذا كانت الكتابة بين المراة و الرجل ، المبدعين ، تطرح لبوسا سيكولوجيا
بالمقام الاول ، متمثلا في مدى تقبل الطرفين لشقهما (المؤنث) ؛ و (المذكر)! في
دماغ كل واحد منهما . فان تغلب الشق الاول كان ادبا او كتابة " نسائية"
حتى ان كان الكاتب رجلا مذكرا ، و ان تغلب الشق الثاني كانت الكتابة
"رجالية" حتى ان كانت الكاتبة امراة من جنس انثى ! ( راجع كتاب علم
النفس لفاخر عاقل ).
اما المقروئية و قوتها و قدرتها و مساحتها بالوسط الاجتماعي ، سواء
بالدوائر المثقفة او بالدوائر الشعبية ؛ فتمة اشكالات و تاويلات اخرى !؟
ان مثل المطالعة النسائية تسمح بان تبين نوع الدلائل في الحاضر ، يمكن
الحصول عليها بولسطة تحقيق منهجي ، يمتد بعيدا الى الوراء . ليس ان تصرف
"القارئات" يبدو ، في جميع الطبقات الشعبية ، منسجما اكبر من تصرف
" القارئين" او ما يسمى بمطالعات " هروب " على غرار "
ادب هروب " !.
(قصص عاطفية ، تاربخية ، بوليسية ، ترفيهية) ، و ليس كمن يقرا كالذي يكتب
!. اذ الكاتبات يلقين خطوة كبرى ؛ جبارة في الدائرتين معا ، سواء في دائرة
المثقفين او بالبنيات الشعبية. ان هذا التجانس يعود الى اسلوب حياة المراة ، منتظم نسبيا خصوصا بالعصر الحديث . ان
الاهتمام بالمنزل و الاولاد المقترن غالبا بنشاط مهني ، يفصل حياة المراة على
نموذج متجاتس في كل الطبقات الشعبية و في كل المناطق .
اما بالنسبة الى القياس او الى المؤشر الملون ، الذي يصبغ اختيار القراءة
فانه يعود الى اول عهد المطالعة النسائية في القرنين السابع عشر و الثامن عشر ، عند تحول الضجر الى احد العناصر الروائية ،
في وقت كانت مسؤوليات المراة السياسية و الاجتماعية لغوا وديماغوجية ليس الا. ان
حتمية وجود اي كتاب يكون مدعاة لتفسير اهتمامات جديدة سيكون لها دون شك ، تاثير متزايد بقدر ما يتطور وضع المراة نحو
مشاركة المراة في الحياة المدنية.
كما يلاحظ الدارسون و الباحثون الاوروبيون ان مطالعة "
الهروب" اكثر ملاءمة لدى النساء طبقا
لاعمارهن ، فالمتقاعدات قارئات جيدا
، و السبب ذلك يعود الى توفر الوقت
الحر لديهن اكثر من غيرهن العاملات ، و كذلك بالنسبة للرجال.
لكن ايضا الحياة تمارس عليهم ضغطا اقل.
ان فعل المطالعة امر غريب لدى الجنسين ، فالقراءة او المطالعة غايتها
الاولى و الاخيرة التثقيف ، اما الاشياء الاخرى او السعي اليها لا تعد مطالعة. كما
ان الشخص المطالع ينعزل ، و يغترب تماما عن واقعه و عن مجتمعه ، و يبطل فيه عمل
الحواس ، بالمقارنة مع فنون اخرى كفن الرسم او المسرح الذي لا يتطلب الا بعض الوقت
حتى يعود النشاهد الى وعيه و رشده من و الى مجتمعه الخارجي من جديد. فعل الكتابة
اجتماعي و غير اجتماعي ، حين ينعزل القارئ
مؤقتا عن المجتمع و يندمج كليا مع جمهور الكتاب.
الا ان يظل الفرق سائرا بين مطالعات رجالية و مطالعات نسائية
فالبحث سيظل قائما منذ فلاسفة الاغريق و فلاسفة الالمان : " ابحث عن
المراة " كحل للمشكلة وليست المسبب فيها ، كلما مس المجتمع و العالم ازمة ما
ثقافية سياسية اجتماعية اقتصادية ، و كلما وصل حجم المقروئية الى صفر قارئ ، و غاب
الاحصاء العام لسوسيولوجية الادب ، اين يكون الجنسين معا كاتبا و كاتبة و محيطهما
محور و مركز ثقل اي نماء تنموي حضاري لاي
بلد من البلدان .
كما ينبغي ان نرى الى المطالعة في دائرتها الاقتصادية ايضا ، فالمراة التي
تشتري مقتنياتها الخاصة و العامة من المتاجر ، هي المراة التي تعبر يونيا من امام
المكتبة و تشتري كتابا ، لكن حسب المزاج العام للمجتمع! فجميع القيم حينها تترجم
بسوق حي صغير ترى فيه المراة صوتها الضائع الانتخابي او المؤتمن عليه ، كما ترى
ذائقتها الفنية التدبيى الثقافية لا تزال سليمة او افسدتها تيارات الهواء الباردة
(النينيو) و التي صارت تهب في غير موسمها.
المراة ليست نفتاح قلب الرجل ، و انما مفاتيج لجل الابواب الموصدة لو تمكنت
قليلا من رؤية قرص الشمس كاملة.
بالاخير لا يمكن فصل الظاهرة المقروئية و المطالعة عن الظاهرة الاجتماعية ،
فاصلاخ الاولى مرهون و معقود على اصلاح الثانية .