الأسطورة و الفلسفة
العقيد بن دحو
قال
أحدهم ما الأسطورة ؟
انني أعرف جبدا ماهي , بشرط أللايسألني حدا عما
هي , و اذا ما حاولت أن أجيب سوف يعتريني التلكؤ و التلعثم , تلكؤ المفردات و تلعثم العناصر !.
و بما أن الأساطير غير معروفة فكيف تريد من
الفلسفة أن تكون معروفة !؟
و اذا
كان الشعر يٌرى بالصور , و التاريخ بالأحداث , فإن المكون الأساسي للفلسفة هي
الأفكار , تلك الأفكار التي تتغذى على الفعل و نقيضه , الفعل لا يطابق القول , نقول شيئ و نفعل شيئ أخر حتى ينجم عنه ما يسمى بالشك الفلسفي , و
أهمية بمكان لتسامت الفلسفة من الأسطورة.
يقول
أخر( نيكولاس فريده) : " الخرافة ميراث الفنون " , و اذا كان كل فن من
الفنون الزمكانية يعرف ويفسر و يحلل ويناقش حول الفكرة الرئيسية لأي فن من الفنون
و هي موضوعها , و الموضوع هو الأساس الذي تبنى عليه و حدة الفن الزمكاني.
اذن بما
أن الأسطورة ميراث الفنون , و بما أن الفلسفة ( فيلو - سوفيا) محبة الحكمة , أم
العلوم , و أم الفنون , بإمكان أن تقترب الفلسفة من الأسطورة و تتكئ عليها لتوضيح
فكرة معينة , ليست كقيمة مطلقة و انما لتكون قابلة للتأويل و التحليل و الجدال و
النقاش و التحليل , تتماشى مع كل عصر و
زمان.
تقول
الأسطورة :
أن
انتصار (زيوس) على (الزمن) / (كرونوس) هي فكرة انتصار النهار , و يدل ايضا على
تجدد الحياة , و الإنتصار على الفناء , أأو انتصار المحدود على اللا محدود و
انتصار النظام على الى نظام.........
و هكذا
توصل اليونانيون الى اساسين فلسفين هما : مبدأ الخلق و مبدأ النظام الذي يسود
الوجود. و قد انفرد (زيوس) بالسيادة وضمن لنفسه الخلود و لكنه لم يلبث طويلا حتى
قامت معركة هائلة بينه و بين العمالقة و كاد زيوس أن يٌهزم فيها الى ان جاءه المنقذ
جد البشرية أو أبا البشرية (بروميثوس) و هم ابن عم زيوس , و كان في مقدوره أن يرى
الأشياء قبل حدوثها.
ان انتصار (زيوس) بمساعدة ابن عمه (بروميثوس) هو
بالحقيقة و فلسفيا تقدر على العمالقة قوى الشر او الطبيعة (التيتانوس) , أي
الإنتصار على ( المادة) . ز كان هذا الإنتصار
الأسطوري أساس فلسفة ( الجبر) , و بدأ المذهب الجبري و انتشر عند الأغارقة
, بمعنى الإنسان خاضع كل الخضواع للأله , لا يفعل إلا ما يريده و ليس له خيار امام
( القضاء و القدر).
لكن مستحيل أن يخضع (بروميثوس) الى هذه
الدكتاتورية حتى ان كانت صاردة من طرف إله أو نصف إله , وهنا تننازع و تتصارع
فكرتان فكرة الخضوع و الجب الإله ( زيوس) و فكرة ( بروميثوس) منشد الحرية و
الإنطلاق و ان الإنسان سيد نفسه , صاحب ارادة حرة و انه مسؤول عما يفعل
أشتد الصراع بين زيوس ( الجبر) و بروميثوس (
الحرية) , ولكن انتهى الأمر الى تحالف بين الفكرتين , و أتخذ الألهة صفات بشرية
تتزوج النساء و تنجب منها بنينا وبناتا , تحب وتكره , و تشارك الناس افراحهم و
اقراحهم.
شعر زيوس بثقل المسؤولية المستقرة برأسه ولذلك
طلب من الإله الأعرج أن يشج رأسه لتخرج
ألهة الحكمة (منيرفا) على رأسها خوذة و بيدها ارمح في اشارة الى قوة الحكمة (
الفلسفة). يتزوج زيوس من ( تيميس) و انجبت له (يونوميا) إلهة الحكم الصالح التي
حملت الى العالم العدل و السلام , كما انجبت الأقدار الثلاثة.
مما
تقدم رأينا كيف انجبت الخرافة الفسلفة و قربت لنا المفهوم الفلسفي القريب منه الى
الإيقوني , حين تتجسد القيّم في صور ورموز و لوغوسات ولبوسات الهية و بشرية.
ما أروع و أجمل أن نعود الى الأساطير الإغريقية
قهي ليست مجرد اساطير وح جماعية لا غناء فيها , انما تقربنا و تعيد فينا حياة
الفلسفة محبة الحكمة , هذه الحكمة التي تتزوج و تنجب ألهة و بشر الحكم الصالح.
الأسطورة ميراث الفنون , و الحكمة ابنة تلك
الصفات الفنية , حديث بألف صوت , احالة الأسطورة الى فلسفة و الفلسفة الى أسطورة
ليس بما يغنى اللغة فحسب و انما القيم و الأثار البشرية , الأثر العلاجي
الإكلينيكي , الثقافي , الإقتصادي ,
السياسي , و الإجتماعي.
ان عالم
لا اسطورة فيها يثقله منطقه , وعالم بدون فلسفة عالم بلا حكمة ولا حكم صالح ولا
راشد , أين ( العليّة) تنازل ( للسفلية) , حتى تسود الحرية و المساواة , وحتى تنمو
و تزدهر الحضارة الديمقراطية : خبز الفقراء وترف الأغنياء , و على اعتبار الحكم ( بالكنز)
استثمار لا يقل عن الثروات البشرية و المادية الترابية , و سائر البنات الفوقية و
التحتية.
أن نعيد
الإعتبار الى ( الفلسفة) كنزع من انواع
معالجة النصوص الزمكانية , النقد و نقد النقد , و كذا العودة و الرجوع الى
الأسطورة كشبيهة بالتاريخ لبناء و تشكل حضارة انسانية , فيها الإنسان محو ومركز
ثقل أن تنمية مادية ومعنوية.