مهاجر
لماذا يفعلون ذلك؟
-
كثير من الناس تمر
عليهم مواقف واحداث تجعلهم يحكمون على بعض البشر بانهم طيبون وعلى اخرين بانهم
اشرار. وبالطبع يختلف الحكم على الناس والظواهر اذا جاء نتيجة لدراسة علمية مثل
تجربة اجريت او ملاحظة او استبيان, فما هو الفرق؟ والإجابة معقدة لانها تعتمد على
الطرق العلمية المناسبة ومعرفة مدى صلاحيتها واستخدامها كادوات لتحليل واستنباط
النتائج التي تمكن الافراد من الحكم على الأشياء والأفكار والعمليات والاحداث.
فاذا اخبرنا احدهم ان رمى النفايات بصورة عشوائية في الشوارع والميادين صحيح لان
سكان محليات كثيرة في السودان قد تعودوا على ذلك, فان الواجب هو ان ندرس الظاهرة
لا ان ناخذ حديث ذلك الرجل على انه الحق الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ابدا.
ان الدراسة لظاهرة ما
مثل ظاهرة رمى النفايات تتطلب الالتزام بالموضوعية والنزاهة والدقة وغيرها من
المعايير العلمية. وقد درج الفلاسفة اليونانيين وغيرهم على اعتماد مناهج التفكير
العلمى النقدى عند تحليل المشكلات والظواهر. واعتمادا على مبادئ التفكير النقدى
فاننا في البدء نسعى الى استبعاد عامل الصدفة ونفترض ان الذى يحدث هو ظاهرة متكررة
حدثت او كانت تحدث على نطاق واسع وفقا لنظام معين, إضافة الى احتمال وجود أسباب
أخرى. هذا يعنى ان الظاهرة غير معزولة. كذلك نبتعد عن اى طريقة تفكير توصلنا الى
طريق مسدود او سلوك فيه انحياز.
ان طرق التفكير العلمى
تستخدم الافتراضات العلمية التي تؤدى الى نتائج محددة. وفى الحالة التي وردت في
المقدمة فاننا نعتبر ان المسالة هي اهمال متعمد يقوم به بعض الناس وبوعى تام
وبكامل إرادتهم الحرة. ومن هذا المنطلق فان البداية الصحيحة هي البحث عن أسباب ذلك
الإهمال المتعمد بغية التوصل الى طريقة الى فهم معالجة المشكلة وهى التخلص من
النفايات. واذا كانت النفايات تاتي بفوائد مادية وصحية وغير ذلك فانها لا تهمل بلا
شك. وقد يتساءل المرء عن كيفية حدوث الإهمال الذى يؤدى الى تراكم النفايات بصورة
تضر بصحة الانسان والحيوان والبيئة ولماذا يتغاضى البعض عن احتمال الاضرار.
والثابت هو ان لكيفية تعامل الدولة مع النفايات دور كبير في هذا الامر. فبعض الناس
يلتزمون بالأوقات المحددة التي ترمى فيها النفايات وبالاماكن ومعايير التجميع
وهنالك فريق اخر لا يهتم باى شيء من ذلك. واذا استطاع المرء ان يتبين الفرق بين من
يهتم ومن لا يهتم فانه حتما سيستبعد الصدفة ويجد إجابة اخرى.
ان النفايات في الدول
المتقدمة لا ترمى كيفما اتفق بل هنالك نظم وضوابط تحكم عملية التجميع وكذلك طرق
علمية للمعالجة. واذا افترضنا ان الاجهزة الإدارية بمحليات السودان المختلفة تلتزم
بالطرق العلمية في التجميع والمعالجة وكذلك بتطبيق القانون على المخالفين فان نسبة
الاهمال بلاشك ستقل بشكل كبير. والمقصود هنا ان تكون للمحليات أنظمة محددة لمعالجة
النفايات وان تكون هنالك قوانين وضوابط تحكم عمل هذه الأنظمة. واذا غابت الأنظمة
والقوانين فان الإهمال لا محالة واقع سواء كان ذلك عمدا ام سهوا.
ان الامر المؤكد والمهم هو ان دور الافراد في
امر إدارة النفايات هو دور مفصلى لكنه ليس كافيا لوحده, ففي حالة غياب القوانين
والإدارة الفعالة فان الفرد سيجد صعوبة في تفادى الخطأ. والامر المهم كذلك هو
النظر الى المشكلة في اطارها الموضوعى وليس في اطار ذاتى. فاذا اعتبرنا ان اى شخص
يفشل في إدارة النفايات هو انسان سيئ فاننا سنقع في ورطة التعميم الذى يتجاهل
الظروف الخاصة المحيطة بالمجتمع كله مثل توزيع الثروة ومتوسط ساعات العمل عند
الفقراء ومستوى التعليم ودرجة الوعى البيئى وغيرها.
يلاحظ هنا ان المقال قد
ركز على منهج التحليل وليس على الاشخاص والاحداث, والدافع في هذا هو تاكيد ان
امتلاك منهج ما من مناهج التحليل يساعد على فهم الظواهر بشكل جيد سواء كانت ظواهر
علمية او اجتماعية او غيرها. والمنهج العلمى يمكن تطبيقه بعدة طرق, مثلا في هذا
المقال كان يمكن ان يبدأ تحليل المشكلة بالأفراد وسلوكهم او ان يبدا بالعمليات
والإجراءات والضوابط والقوانين والبيئة والبيئة المحيطة. لكن بدأ التحليل بفرضيات
اساسية حول الأسباب, اى بالافكار الأساسية وكيفية تطبيقها على واقع معين.
في السياسة يستطيع
الشخص العالم بكيفية حدوث الظواهر السياسية والاجتماعية واسبابها والتغيرات التي
تحدث ان يتكهن باحتمال حدوث امر ما في الساحة السياسية في المستقبل القريب مثلا
وان تكون لذلك الحدث أسبابه الموضوعية. وعلى العكس هنالك الكثير من الناس يمارسون
السياسة ويفضلون جانب التبعية وهو الاسهل عندهم لان القرار يأتيهم من أناس اخرين.
وغالبا ما ينال ثقة الناس الاشخاص المراوغون المخادعون الذين يجيدون استدرار
العواطف. والنتيجة ان هنالك الكثير ممن يجعل من نفسه مرجعية اعتمادا على تفويض
زائف ويعتقد ان مرجعيته تعلو على مرجعية المؤسسات.
ان موضوع الثقة المطلقة
في الافراد على حساب الثقة فى المؤسسات والأنظمة هو امر ضار لانه يعول كثيرا على
التفكير العاطفى لا العقلانى. ونجد امثله كثيرة لذلك في الدول الإسلامية وغيرها
حيث اعتاد مؤيدى بعض الجماعات على الثقة في القادة والمرجعيات الدينية, كمثال لذلك
الجماعات الشيعية والسنية المتطرفة. ان المستمع الى خطب حسن نصر الله او خامنئى
مثلا يجد ان الكثير من عباراتهم الحماسية تكون حمالة أوجه وفى نفس الوقت يوجد قادة
اخرين في تنظيماتهم يكونون اكثر دقة في خطابهم الداعى الى الكراهية ونبذ الاخر بل
السعي الى قتله. ان الكثير من احاديث هؤلاء القادة اصبح يترجم الى عمليات إرهابية
يروح ضحيتها اعدادا كبيرة من البشر, فليس كل ما يلمع ذهبا. اعتقد ان الاجدى ان
نعتمد على نمط التفكير الذى يركز على الأفكار والأنظمة والعمليات والاجراءات
والقوانين ثم نربط ذلك بالافراد لكى تكتمل الصورة. وفى كل الأحوال تظل معايير
الافراد هي معايير ذاتية.