بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام
دلالة النداء في شعر "عبد العزيز شبين "
أولا: القصيدة
بلادي خطى الغضب الهادر
ولمح سنا
القمر النادر !
فيا صخب الموج في أوجه
ويا سحب
الكمد العابر !
ويا فرحا لطيور الكلام
وفي الصمت
يا مرح الخاطر !
ويا محفل الشمس عند
الشروق
يعري غروب
دجى سافر !
فيا فتقة الورد بين
الحقول
ومشرعة
الورد للصادر !
وأغنية الشدو فوق
الشفاه
وخافقة
الشجو للشاعر !
وباطن كل الفنون اعتقادا
وكل الفتون
من الظاهر !
جزائر نبضك في الخافقين
وخفقك
كالقدر السائر !
سفينك شعب مرام الخلاص
فهل نوح
يعبأ بالخاسر !
تعجب من عزمك المستميت
ال
ملاك الملقب
بالساحر !
ع ق استبق وارق ورد
واصح وامح
خ وامض ف
للأول الآخر !
ثانيا : الدراسة
تهتم المقاربة
الأسلوبية بالظواهر البارزة في النسيج اللغوى المكون للنص الأدبي و من أبرز هذه
الظواهر في هذه القصيدة استخدام النداء كملمح أسلوبي مهم في التعبير عن التجربة
الشعرية و ما تمت ملاحظته في هذا النص الشعري هو كثافة استعمال النداء
النداء هو عملية تنبيه أو استدعاء أو طلب
الإقبال بأحد الأحرف: ( يا ، الهمزة ، أيا ، هيا ، وا ، أي ، آ ) و" الهمزة و
أي" تستعملان لنداء القريب أما باقي الحروف _ يا، أيا، هيا، وا، أي، آ_
تستعمل للنداء البعيد و قد ينادى على القريب بحرف نداء للبعيد و العكس لأجل أغراض
بلاغية، و تتكون جملة النداء من (أداة نداء و منادى) و هناك من زاد على ذلك (جواب
النداء)، و النداء من الأساليب الإنشائية الطلبية حيث يتم الطلب من المنادى عبر
أداة نداء.
مما تم ملاحظته أن
قصيدة الشاعر حافلة بالنداء بنوعيه فالنداء بأداة نجده في البيت الثاني في قوله:
(فيا صخب) الموج في أوجه
و (يا سحب)
الكمد العابر
و هذا النداء جاد به الشاعر في البيت
الثاني لكي يتسنى لمن لم ينتبه في مطلع القصيدة أن ينتبه في البيت الذي يليها و لم
يستدع هنا الشاعر بأداة النداء "يا" شخصا بعينه و إنما استدعى شخوصا
ممثلين مشهد الحراك الشعبي الجزائري الغاضب و الثائر كما يغضب الموج جاعلا إياهم
كسحب تحمل الألم بعيدا
و نجد النداء أيضا في
البيت الثالث في قوله :
و(يا فرحا) لطيور
الكلام
وفي الصمت (يا مرح) الخاطر !
حيث يعطف الشاعر نداءه
بحرف العطف"الواو" في الصدر مرة و أخرى في العجز مجسدا تأثير هذا الحراك الشعبي في نفسية المتكلم و
نفسية الصامت فحتى من لم يشارك في المسير و الهتاف و الحلم بغد أفضل لقد شارك
بصمته أي بقلبه و ذلك أضعف الإيمان!
و ينتقل بنا الشاعر إلى
البيت الرابع في قوله:
ويا محفل الشمس عند الشروق
يعري غروب
دجى سافر !
عاطفا على ما سبق _
الغاضبين الرافضين الآملين ببلد مشرق_ جاعلا نداءه على أمل الكثيرين و الكثيرات
بوطن مشرق تغيب عنه مأساة دجى سابق تمثلت
في ماض محزن .
ثم يمر بنا الشاعر إلى
البيت الخامس مناديا بنداءين
ف(يا فتقة) الورد بين
الحقول
و(مشرعة)الورد
للصادر !
النداء الأول بأداة
(يا) و الثاني دون أداة و نسبة إلى حرف العطف فالتقدير و (يا مشرعة) حيث جعل
الحراك الشعبي كوردات تفتقت بين الحقول مبينة عن رغبات و أحلام و آمال كانت في
الصدور مندسة و هذا الحراك هو الذي جلاها و أضهرها.
و بعد المشي في هذه
الحقول بين الأزهار ينادي الشاعر بضميره و قلبه الصادق فيقول:
و(أغنية) الشدو فوق الشفاه
و(خافقة)
الشجو للشاعر !
و ما يوحي به حرف العطف
"الواو" أن النداء لا زال مستمرا فالتقدير : و ( يا أغنية) ، و (يا
خافقة) فكانت أداة النداء مضمرة لتجسد قرب الشاعر من الحراك الشعبي و ليس يلزم أن
يكون القرب مكانيا فقد يكون أيضا قربا معنويا ينبعث من الانفعال بأهازيج و أغنيات
يشدو بها مَن يسيرون في هذا الحراك الشعبي الذي جعل في قلب الشاعر خفقانا
و كما عطف الشاعر بحرف
الواو نعطف تحليل هذا البيت على تحليل البيت الذي سبق حيث النداء هنا و هناك تم
بإضمار حرف النداء في قوله:
و(باطن) كل الفنون اعتقادا
وكل (الفتون
)من الظاهر !
مجسدا حراك الأمل بما
يحمله من أبعاد أنه ظاهر كل الفتون و باطن كل الفنون ثم يمر بنا إلى البيت الموالي:
جزائر نبضك في الخافقين
وخفقك
كالقدر السائر !
و هنا يصرح الشاعر مناديا الجزائر و لو من
دون عطف أنها نبض القلوب و شغفها و أملها الدائم
و دل حذف الأداة هنا على قرب الوطن من قلب الشاعر و إحساسه.
بعد تحري النص الشعري عبر إحصاء النداء
كانت النتيجة أن النص حفل بسِت نداءات بالأداة "يا" و ست نداءات من غير
الأداة أي أن النص احتوى على (12) نداءً
مما يجعل النداء ملمحا
أسلوبيا مهما يستحق الدراسة و التنقيب في قصيدة ذات (11) بيتا.
لقد نجح الشاعر في قصيدته لما استعمل
النداء كوسيلة لجذب انتباه المتلقي و تفاعله مع النص الشعري و تفاعله أيضا مع
إحساس الشاعر الصادق المعبر عن حبه لوطنه الجزائر و التفاؤل لها بغد مشرق و تأييده
الحراك الشعبي المبارك في سبيل الوطن، و قد ساعد هذا الملمح الأسلوبي (النداء) في
اتساق النص وانسجامه من أوله إلى آخره و قد
لعب النداء الدور المهم في هذه القصيدة و كان من أهم أشكال الموسيقى
الداخلية التي تكررت و ساعدت الموسيقى الخارجية في أداء وظيفتها الدلالية مما يوحي
بعبقرية شعرية لغوية على المستوى التركيبي.
بقلم الأستاذ الشاعر
محمد نور إسلام