جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
حامد حبيبملتقى النقد الأدبي العالمينقد

عمر الخيّام رباعياتُه ودراسة تحليلية عن حياته بقلم: حامد حبيب

 

عمر الخيّام)_

      رباعياتُه

          ودراسة تحليلية عن حياته

                بقلم: حامد حبيب_مصر

       



         __________________

¶| مؤتمر"ملتقى النقد الأدبي العالمي"¶|

   - اليوم التاسع (٢٩ يناير ٢٠٢٣م)

     -----------------------------------

_(عمر الخيّام)_

      رباعياتُه

          ودراسة تحليلية عن حياته

                بقلم: حامد حبيب_مصر

                __________________

                       إهداء

                      ===

       إلى عُمَر الخيّام….فى نيسابور

        واحمد رامى…..فى  مصر

                      _ مُقدّمة _

   رحمَ الله الشاعر العظيم احمد رامى الذى  ترجم

لنا رباعيات الخيام من الفارسية إلى العربية، فأتاح

لنا الإطّلاع عليها ،  والتعرُّف  على  الخيّامِ  شعراً وعلى بعضٍ من حياتِه.

فلقد ترك لنا الجهلُ بحياة  الخيّام_ بسبب  العصف

الصليبى    والمغولى.  على   الاقطار   الإسلامية  وضياع  اغلب  المولّفات _ مساحةً  من  التكهُّنات

والاستنتاجات التى حاولنا من خلالها  رسمَ صورةٍ

قريبة الشَّبَه_بقدر المستطاع_من  شخصية الخيام ،

والذى دفعنى لهذا الكتاب ماكان لدىّ  من  إضافاتٍ

تتعلّق بمحيط العمل  الذى   قدّمه  رامى ،  وإعادة ترتيب الرباعيات ، لأصِلَ  لحقيقة شخصية  الخيّام  وشئٍ  من  حياتِه ، ليتعرّف عليه القارئ أكثر .

وارجو ان اكون قد وُفِّقت فى هذه الدراسة.

            ____________________

                  عُمَر الخيّام

        مولدُه...والعصر الذى نشا فيه

         ...................................

إسمه  :  غِياثُ  الدين  ابو الفتح  عُمَر بن إبراهيم الخيّام ، وشُهرتُه ( عُمَر الخيام).

وُلِد  فى  نبسابور  عاصمة  خُراسان  حوالى  سنة

(٤٣٣ه-١٠٤٠م)  فى  عهد السلطان ( طغرُل بك)

أوّلَ حكام  السلاجقة  الذين أسّسوا  دولةً امتدّت من بلادِ  ماوراء  النهر وخراسان إلى أطرافِ العراق.

ومع دخول الامير (مُعز الدولة)من" بنى بويه" إلى بغداد في بداية القرن الرابع  سنة  (٣٣٤ه-٩٤٥م)

بدا ماعُرِف بالقرن الشيعى للإسلام ، الذى سينتهى

فى منتصف القرن الخامس سنة (٤٤٧ه-١٠٥٥م)

مع دخول (طغرل بك) السلجوقى بغداد .

ومع   فوزز  السلاجقة  بالحكم  وانتصارهم  على الإمبراطور  البيزنطي ( ديوجين )   فى  المعركة الفاصلة  ب" متريكرت "  سنة (١٠٧١م)  ، بدات الفترة التركية للدولة الإسلامية مع السلاچقة.

وفى هذه  الحقبةِ  من التاريخ ، أى  القرنين  الرابع والخامس الهجريين ، شهدت الدولة العباسية  تفكُّكاً

متزايداً ، حتى  أصبحت  السلطة  المركزية للخليفة لاتتجاوز ولاية بغداد، مما أفقدها تأثيرها فى  سائر

أرجائها التى أصبحت إمارات مستقلّة عنها.

وحظى انتصار السلاجقة بتأييد السكان في وسط إيران ، وانفتحت الطريق بهذا التأييد أمام المزيد

من الانتصارات التي أحرزتها في بلاد الجزيرة ،

ثم  خارج  أراضى  الدولة العباسية فى أذربيجان

وأرمينيا وآسيا الصغرى.

وقد استعان ملوك السلاجقة بإحياء نزعة  الجهاد الدينى، مما نتج عنه اجتذاب التركمان المجاهدين

الذين أخلصوا  فى حروبهم تحت قيادة السلاجقة،

وكان لاعتناق السلاجقة المذهب السُّنّى وإخلاصهم

للإسلام وتقديسهم للخلافة العباسية أثرٌ كبير على

امتداد نفوذهم فى عهد (طغرل بك) للسيطرة على

خراسان وبغداد  وسقوط  آسيا الصغرى  واليمن وعدن فى أيام ( ألب أرسلان).

وكان لنشاط السلاجقة فى منطقتى أرمينيا وآسيا الصغرى   واستيلائهم   على  سوريا  وفلسطين وانتصارهم الكبير على بيزنطية سنة (٤٦٣ه_

١٠٥٤م) فى موقعة" ملاذ جرد" ، وهى الموقعة

التى أدّت لبدء التحرُّك الصليبى نحو الشرق، بعد

استغاثة الإمبراطورية البيزنطية بأوربا ، مما نتج

عنه بدء الحملات الصليبية وانتصار ساحق على

الأترك السلاجقة وإقامة أول الإمارات  الصليبية

فى"الرّها".

وفى الوقت الذى كسرت فيه أوربا  شوكة  الأتراك

السلاجقة،كانت البلاد الإسلامية فى مصر والعراق وسوريا   تمرُّ   بفترة  من  القلق   والاضطرابات والفوضى ،  فالخلافة  ضعيفة  فى  مصر فى عهد الحاكم بأمر الله، ومنافستها فى بغداد عاجزة ، وفى

العراق  وفارس سلطة  سلجوقية  تركية  متنازعة، ولاتكاد تنتهى معركة حتى تنشب غيرها ، ويتنازع

الأرمن ضد الترك، وهؤلاء وأولئك ضد العرب.

وسوريا بين المطرقة والسندان، لاهى تحت سيطرة

بغداد  ولارعاية  القاهرة  ،  يتنازع  فيها   الأمراء المحليون على النفوذ والسلطة ، فإذا وُجد  فى  هذه

الظروف عدوّ شديد البأس ،  سهُل عليه  أن  ينتهز

الفرصة   فيصيب   الدولة    الإسلامية   المتفككة المتداعية ، وقد وجد هذا العدو المخيف  فى  شكل

الموجة  الصليبية  الأولى  بحجة  إنقاذ  الأراضى المقدّسة بالشام ،مهد المسيحية وموطن القديسين من

التُّرك الكفرة المُغتصبين .

وقد عبَّر أحدُ المؤرّخين وهو(ستانلى لين بول) عن حظ الحرب الصليبية الأولى في تلك الفترة قائلاً:

" لو  تقدّم ا لزمنُ  قليلاً  بحملة  الصليبيين  الأولى لصدّتهم  قوة السلاجقة ، ولو تأخّر بهم قليلاً، لكان من المُحتمَل  أن يُلقِى بهم زنكى أو نور الدين  فى البحر الذى  جاءوا  منه ،  ولكنها  كانت  فترة من الفترات  السعيدة  للأوربيين  أن قرّروا السَّير  إلى الأراضي المُقدّسة  فى  هذه  الفترة  التى اضطرب فيها النظام في الدولة الإسلامية.

            …………………

من الناحية العلمية :

   حفل  هذا  العصر  فى  بداياته  بالروح  العلمية وتأسيس  المدارس ،  وكان  علم  الكلام قد  وصل لدرجة   كبيرة من  النضج  ،  واشتد  النزاع   بين الأشاعرة   والمعتزلة   والحنابلة ،  وشاعت  آراء الباطنية   خاصةً   حركات   الإسماعيلية  بزعامة (الحسن الصباح)و(احمد بن عطاش) فى دولةٍ تدينُ

بالمذهب السُّنّى ، وهى حركات استنفدت قوة كبيرة

من   السلاجقة   ،   وتعدّدت   الفِرَق  والطوائف ، وتعصّبت كل فرقة لمذهبها ، وكثر الفلاسفة  ومنهم

(أبو على ابن سينا) وعظم أمر التصوُّف.

وُجِد  (عُمر الخيّام )  فى  هذا  العصر  الذى  شهد انتصارات   السلاجقة   ثم   ضعفهم   وهزيمتهم ، وماابتُلى به  العالم  الإسلامي على  يد  الصليبيين، والذى  شهد  تنوُّع  واختلاف  المدارس  والمذاهب الدينية.

وكان  الخيّام  النيسابورى  الآباء  والوطن  تِلو ابن سينا  فى علوم  الحكمة  ،  وقد يميلُ إلى التصنيف والتعليم ، وكان  عالماً فى  الفقه  واللغة والتاريخ ،

وكان حُجّةً فى علوم الحكمة ويعلم علم اليونان.

وقد  وقف  متأخِّروا الصوفية على شئٍ من ظواهرِ شعره ، فنقلتها إلى طريقهم ، وتحاضروا  بها  فى مجالسهم وخلواتهم.

وفى رأى المسيو (نيقولا)  الذى  ترجم  الرباعيات للفرنسية ،   أنَّ   الخيّام   شاعرٌ  صوفى   مشغول بالعشق الإلهى ".

كما  تضلّع  فى علم النجوم والحكمة، وكان عزيزاً إلى  نفوس  السلاطين  مكرَّماً  إليهم ،  ولم  يكتف بدراسته للعلوم الإلهية والفلسفية والمنطق والطبيعة

فدرس الطبَّ ومهرَ فيه ،حتى دعاه السلطان ( ملك شاه )  فى  مرض  ولىّ  العهد  (سنجر) ،  ودرس الرياضات وأخصّها الجبر ، وطبّق علوم  الرياضة

على القلَم ، وهو ماجعل السلطان(ملك شاه)  يدعوه مع جمعٍ من العلماء  لإصلاح  التقويم  ،  فأخرجوا

التقويم   الجلالى   الذى   يبدأ   من   يوم  النيروز

(١٦مارس ١٠٧٩م_١٠رمضان ٤٧٨ه)، ولايزال

مبدأ هذا التقويم عيداً من أعياد الفرس إلى اليوم.

ولما  ذاعت  شهرته  فى  عهد السلطان (ملك شاه) أعظم  سلاطين  السلاجقة  ، سلّم  إليه  مالاً  كثيراً ليشترى به آلات الرَّصد ، لكن السلطان  مات  قبل أن يتمَّ ذلك.

وفى العصر الذى نشأ فيه الخيّام ،  كانت  نيسابور

عاصمةَ  خُراسان  غنيّةّ  بالخيراتِ خصبةَ التُربة ،

كثيرة الماء ، وافرةَ المحصول ، سهولُها ناصرة ،

تكتنفها جبالٌ عالية ، وكان فيها ست جامعات.

وكان المشاغبون بالعلم فى هذا العصر لايكتفون بالتعرُّف إلى علمٍ واحد ، وإنكار يتناولون أكثر من علم ، كما هو الحال عند الخيّام ، وكما كان عند ابن سينا والفارابى وغيرهم.

           ………………..

وفاتُه

وفى  وفاته  قيل  أنه  كان   يتأمّل  الإلهيات  من كتاب"الشفاء" لابن سينا ، فلما وصل  إلى  فصل الواحد  والكثير ، وضع  الكتاب  وقام  فصلّى ثم أوصى ، ولم يأكل ولم  يشرب ، فلما  خرج  من صلاة العشاء سجد لله ، وقال فى سجوده : "اللهمّ

إنى  عرفتُك  على  مبلغ  إمكانى  فاغفر لى ،فإنَّ معرفتى إياك وسيلتى".

وكان  ذلك  آخر  عهده  بالدنيا  ،  إذ توفّى حوالى

(٥١٧ه_١١٢٣م) فى عهد السلطان (سنجر).

………

قال عنه(النظام السمرقندى) فى كتابه "جهار مقالة"

الذى كتبه حوالى سنة (٥٥٠ه)  بعد  وفاة  الخيام ، وهو أقدم مصدر لتاريخ الخيام:

"هبط عمربن الخيام سنة (٥٠٦ه) مدينة بلخ ونزل

فى  قصر  الأمير  أبى  سعد  ، وكنت ُ  فى خدمة الأمير ، فسمعت حُجة الحق عُمَر يقول :  "سيكون قبرى فى موضع تنتثر الأزهارُ عليه كل ربيع"....

وظننتُه  يقول  مستحيلاً  ،  ثم هبطتُ نبسابور سنة

(٥٣٠ه)، فقيل لى إن ذلك الرجل العظيم قد مات ،

وكان له علىَّ حقّ الأستاذ، فرأيتُ  من  واحلى  أن أزورَ قبرَه ، وصحبتُ من يدلُّنى عليه ،  فأخرجنى إلى مقبرةِ الحيرة ، وهناك رأيتُ على يسار  الزائر

فى سفح سور حديقة موضع دفنه ، ورأيتُ  أشجارَ

الكُمثرى والمشمش وقد تدلّت أغصانها  من  داخل الحديقة ونثرت على قبره النّوار حتى كادت  تخفيه

عن  الأبصار ،  فعُدت  بالذكرى  إلى  تلك  القصة  التى سمعتُها منه فى بلخ، وغشينى الحزن  وغلبنى

البكاء  ، لأنى لم  أكن  أعرف له نداً  بين الرجال، ولكنى تأسّيتُ وفهمتُ  أن  الله  تعالى  أسكنه فسيح جناته".

وكان مما قاله فى موضع آخر من كتابه:

"فى  شتاء  سنة (٥٠٨ه)  فى  مدينة "مرو" أرسل السلطان  ( ملك شاه )  فى طلب  (صدر الدين  بن المُظفّر) _رحمه الله_وكلّفه أن يخبر الخيّام ، وكان ينزل فى داره ، أن السلطان يريد  الخروج  للصيد وأنه  يطلب  من عُمَر أن يختار  لذلك  خمسة  ايام لاينزل فيها مطرٌ والثلج ، وقبِل عُمَر ماكُلِّف به ،ثم

ارسل (ابنُ المُظَفَّر) إلى السلطان يخبره بما اختاره

..ولمّا  أعدّ  السلطانُ  عُدَّتَه  للرحيل  هطل  المطر وهبَّت الريحُ عواصف ونزل الثلج  والبرد ، وأراد السلطان ان يعود ، ولكنّ الخيّام قال : لاتشغَل بالك

فإنَّ المطرَ سينقطعزفى هذه الساعة ثم لايهطل مدّة

الخمسة  الايام اللاحقة ،  وسار  السلطان  وانقطع المطر طول الايام الخمسة،وربما تلك كانت كرامة

من كرامات الاولياء التى نعرفها.

         ______________

              رُباعيات الخيّام

حظى الخيام بكوكبةٍ من المهتمين بشعره والترجمة له، فقال احمد رامى: " ظلّت رباعيات الخيام غائبة فى بطون الكتب، ضائعةً فى حنايا  المكتبات  حتى وُفِّق الاستاذ (كويل)  إلى  العثور  على اقدم نسخة خطّيّة  لها  فى  مكتبة  "بولديان"   ب"اكسفورد"،

فنشر عنها وعن حياة عمر الخيام فى مجلة "كلكتا"

سنة ١٨٥٨م ، ثم كتب  بعد  ذلك  لصديقه  الشاعر (فتزجرالد) فدرسها  واخرج اول ترجمة  لهاز سنة

١٨٥٩م  ، ولم   تكن   تحوى   إلا خمساً  وسبعين رباعية".

لكنّ إحدى المصادر تقول : ان اول من  عرفه  من الاوربيين هو العلّامة (توماس هايدن) استاذ اللغتين

العربية والعبرية بجامعة اكسفورد_أيضاً_فبحث شعره وألّف له عام١٧٠٠م.

وقال رامى: إنّ اقدم مخطوط لها كتبه احد سكان شيراز سنة٨٦٥ه ، اى بعد موته بخمسين وثلاثمائة سنة، وراى رامى إنه ربما زاد عددها عما نظمه الخيام،كلما بعد به الزمن عن عهد ناظمه،فزاد عددها حتى وصل إلى ثمانمائة فى احد المخطوطات ب"كمبردج" ، رغم ان اقدم مخطوط لها في "اكسفورد" لايحوى غير ثمانٍ وخمسين ومائة رباعية.

وفى سنة ١٨٦٧م ، أخرج المسيو(نيقولا) ترجمان السفارة الفرنسية في فارس ترجمة نثرية الرباعيات بها اربع وستون وأربعمائة رباعية نقلها عن نسخة طهران المطبوعة على الحجر سنة١٨٦١م.

واخرج  الاديب  ( ونفيلد)   سنة ١٨٨٣م   ترجمة إنجليزية  لثمان وخمسمائة رباعية  جمعها من نُسخ عدة.

وقد   تأسّس _نظراً لشهرة الخيام _ نادٍ  باسمه فى لندن عام ١٨٩٢م ،  وتمكّن  المستشرق الدنماركي

(كرستنس) من جمع مائة وعشرين رباعية  للخيام،

ووضعها فى  كتابه " مباحث فى رباعيات الخيام"

سنة ١٩٠٤م .

وكان  اول   من  لفت انظار  العرب  الرباعيات ،

الشاعر (وديع البستانى) الذى ترجم اربعين رباعية

من الإنجليزية عن (فتزجرالد) ثم ترجمها الزهاوى

عن  الفارسية ،  وصاغها  له  شعراً  (احمد محمد الصرّاف ) ، وعن   ترجمة  ( الزهاوى )  نظمها  شعراًمن مصر ( احمد زكى ابو شادى)، وكان من

ادق الترجمات وأفضلها ترجمة الشاعر  المصرى

(احمد رامى).

واستمر البحث فى الرباعيات  وعنها ، وفى  سنة (١٩٢١م)،وجد الدكتور (روزن) فى برلين نسخة

قديمة  للرباعيات  بها  تسعٌ  وعشرون  وثلاثمائة رباعية ،يرجع تاريخها لسنة (٧٢١ه)، وعند نشر

الدكتور(روزن)  لها سنة (١٩٢٢ه)  وصله  من ميرزا محمد قزوينى) آمين المخطوطات الفارسية

بالمكتبة الاهلية بباريس صورةً  من مجموعة بها

ثلاث عشرة رباعية وُجدت بين مجموعات اخرى

فى كتاب جامع اسمه " مؤنس الاحرار" وتاريخه

سنة(٧٤١ه).

وعلى  هذا  تكون  هذه المجموعة  الصغيرة اقدم طائفة  للرباعيات ، لانها  تسبق  نسخة  بولديان المخطوطة  سنة ٨٦٥ه  بثلاث وعشرين  ومائة

سنة ، وفى سنة (١٩٣٠م) اكتُشف اول مخطوط

مُصوَّر لرباعيات الخيام بخط  احد  سكان مدينة

"مشهد" سنة (٩١١ه) وفيه ستٌّ ومائتان رباعية

بخطٍّ جميل.

وكان  مِمّن  ترجم  له ايضاً المستشرق النمساوى

.برجستال) الذى ترجم خمساً وعشرين رباعية

فى كتابه" تاريخ الدولة العثمانية".

ويؤكد (رامى): أنّ  اصدق  مجموعة  قائمة  بذاتها للرباعيات  هى   نسخة   بولديان  ،  لانها   اقدم المجموعات عهداً، وإن كانت مكتوبة  بعد  موت

الخيام  بخمسين  وثلاثمائة  سنة  ، غير  ان  هذه النسخة القديمة تحوى تسع عشرة رباعية ، لايقطع

بصحة نسبتها إلى الخيام.

كما  وجد المستشرق الروسى (زوكسفكى)  اثنتين

وثمانين رباعية مدسوسة على الخيام ، وردّ نسبتها

إلى تسعة وثلاثين شاعراً من شعراء الفُرس.

بينما استطاع الاستاذ (كريستنسن)  الدنماركي  إن

يتمكّن من جمع مائة وعشرين رباعية قطع بصحة

نسبتها الخيام.

على   أنَّ   كل   الباحثين   حاروا  فى  تحديد هذه الرباعيات ، فإنَّ عددها يتراوح  بين ستٍّ  وسبعين

رباعية  فى  نسخة خطية  بباريس ، يرجع تاريخها إلى سنة (٩٢٧ه)وبين ثمانمائة رباعية فى مخطوط

بمكتبة   جامعة   كمبردج   عليه  إسم  مالكه  سنة

(١١٩٥م).

وقد ضاع  الكثيرُ  من هذه الرباعيات  لعدم تشجيع النُّسَّاخ بآرائه الجريئة، وضاعت مخطوطاتها ، لأنَّ

نيسابور  تعرّضت  بعد  موت  عُمر الخيام  للغزو والإحراق على يد المغول والتتر ، وبقيت  تتناولها

الالسنةُ  حتى  دخلها  التحوير  والتبديل ،  وتعاقب عليها النُّسّاخ فغيّروا الكثير من معالمها ودسّوا  من

شعر غيره ، وأثبتوا له من القول مابرئَ منه لسانه.

           …………………

   كانت  الرباعيات  لدى الخيّام مُركَّبة من  أربعة مصاريع "أبيات" ..الاول والثانى والرابع  مُقفّى ،

والثالث مُطلَق.  وكل  رباعية  تستقل  بمعناها وقد

احتوت  رباعياته  على  آرائه  فى  الكون والمادّة والزمان  والحبر والعدم ، وقد صرّحَ فى رباعياته

لاعتقاده الجبر، وقال إنه دخل هذه  الدنيا مضطّراً

كارهاً ، ويخرج منها كارهاً مُرغما ، ولو استُشيرَ

ماأراد، ولو خُيِّر مااختار، فهو لذلك لا يطمئن للاختيار ، وهو يقول فى ذلك :

        لبستُ ثوبَ العيشِ لم أُستَشَر

        وحِرتُ فيه بين  شتّى  الفِكَر

        فكَن خلىَّ  البالِ  مِن  أمرِها

        فكلُّ   مافيها    شقاءٌ   وهمّ

*والجبرية  فرقةٌ  ينفون  الفعلَ  والقدرة على الفعل عن العبد، ويثبتون القدر ، ويقولون  بان  الله تعالى

يخلق الفعل ويخلق فى الإنسان مقدرة متعلقة  بذلك

الفعل ،  وفيه  يقول  الخيام  : " انا أشربُ الخمرَ، ويشربها كل من هو أهلٌ لها مثلى، كان شُربى لها ليس مُستبعداً فى نظر العقل، لأنَّ الله كان يعلم منذ

الازل بأنّى سأشزبها".

وقال :"ماذا أفعلُ ياإلهى وانت الذى  جعلتنى  من ماءٍ وطين ، وانت كتبت علىّ كل ما يصدر منى من خيرٍ وشر فى هذا الوجود ،فماذا أفعل؟!

وهو ما يتمثّلُ فى قوله :

        خلقتني ياربّ من ماءٍ  وطين

        وصُغتنى ماشئتَ عزّاً وهُون

        فما  احتيالى  والذى قد جرى

        كتبتَه  ياربّ   فوقَ    الجبين

*ويرجع مذهب الجبرية هذا إلى (صفوان بن جهم)

زعيم الجهمية، وهو ضالٌّ مُضِلٌّ ، قُتِل سنة١٢٨ه

فى"مرو" اثناء العصر الأموى.

وقد كتب فيه الأصمعى (١٢٢ه_٢١٦ه)خلال نعيه

(سفيان بن عُيَينة) الذى قتله أصحابُ جهم:

لايهنأُ الشامتُ المسرورُ مصرعَه

مِن  مارقين  ومِن  جُخّادُ   أقدارِ

ومِن    زنادقةِ    جَهمٍ    يقودُهم

برداً إلى غضب  الرحمنِ  والنارِ

فكان الخيامُ متأثراً بالحيوية فى اوائل حياتِه ، فمن اقوال (جهم) : " أنَّ  الإنسان  لايقدر  على  شئ، ولايوصَف بالاستطاعة ،  وإنكار هو مجبورٌ فى أفعالِه ، لاقُدرةَ له والإرادة ولااختيار، وإنما يخلق

الله تعالى الافعالَ فيه على حسب ما يخلق فى سائر

الحمدان ، وتُنسَب إليه الافعال  مجازاً  كما  تُنسَب إلى الجماعات ، والثواب والعقاب جبر ،  كما  ان الافعال جبر"...وهو مذهبٌ خطير .

لذا نجد الخيام يقول:"ولِمَ خُلقتُ ، وكيف  لاأستطيع

الرحيل  متى  اردت  ،  ليس  لنا إرادةٌ فى الحياة ، وكيف  نُعاقَب  وقد  كُتِب  علينا   فى  لوح  الغَيب مانقترف". وقد تمثّل ذلك فى قوله :

        كان  الذى  صوّرنى   يعلم

        فى  الغَيبِ  ماأجنى  وماآثم

        فكيف  يجزينى  على   أنّنى

        أجرمتُ والجُرمُزقضاً مُبرَم

وقوله :

       خلقتني ياربُّ من ماءٍ وطين

      وصُغتنى ماشئتَ عزّاً وهُون

      فما احتيالى  والذى  قد جرى

      كتبتَه    يارب   فوق  الجبين

وقوله:

        وإنما نحنُ رخاخُ القضاء

        ينقلنا فى اللّوحِ أنّى يشاء

        وكلُّ مَن يفرغُ مِن دَورِهِ

        يُلقى بهِ فى مُستقَرِّ الفناء

معتبراً إننا مجرّد قِطَع شطرنج ، يُحرِّكها القضاء ُ كيف يشاء...ثم يتهم القضاء بالضلال فى قوله :

          حُكمُك ياأقدارُ عينُ الضلال

ولمّا كانت الجهمية ،وكما نُسِب لجهمٍ قوله:

"إنَّ حركاتِ اهل الخُلدَين  تنقطع ، والجنّةُ والنارُ تفنيان بعد دخولِ لهما فيهما ، وتلذُّذ  اهل  الجنة بنعيمها، وتألُّم اهل النار بحميمها ، إذ  لاتتصوّر

حركاتٍ لاتتناهى آخراً ، كما  لاتتصوّر حركاتٍ

لاتتناهى أوَّلاً ،وحمل قوله تعالى " خالدين فيها"

على المُبالغة دون الحقيقة فى التخليد، كما يقال:

خلّد اللهُ مُلكَ فُلان ، واستشهد على الانقطاع بقوله

تعالى " خالدين فيها مادامت السماوات والارض

إلا ماشاء  ربُّك" ..فالآية اشتملت  على  شريطة واستثناء ، والخلود والتأييد لاشرطَ فيه ولااستثناء

..فجاء الخيام بما أفاض به متأثِّراً بذلك القول، وهو

ما حمله على الاستخفاف وعدم التزوّد للآخرة،فيما

قاله :

عِش راضياً واهجُر دواعى الالم

واعدِل   مع   الظالم  مهما  ظلم

نهايةُ    الدنيا     فناءٌ       فَعِش

فيها    طليقاً    واعتبرها    عدَم

*ولو اعتبرنا  الخيام لم  يتأثّر بمذهب  الجهمية  فى الجبر ، فالحال سواء  ، إذ انتهى  إلى  ماانتهَوا إليه

من اعتقاد فى الحياة والموت  والدنيا والآخرة ،ولم

يفارق اعتقادهم فى شئ .. ولايبرّر ماقد  لاقاه  فى حياته من هم وكرب ، آو خداع وغدر، أوسوء حظٍّ

او غيره من الاسباب ، ان يصل به الحال لتبنّى هذا

الاعتقاد ،لأنه_بالطبع_لم يكن هذا شانه وحده، فكم

غيره  صادف  من  مِحَن  الحياة ، وربما اكثر مما صادقه فى حياته .

……………..

لقد  وصل الحال  به _أيضاً _إلى  مرحلة التشاؤم القصوى ، فقد كره الوجود وفضّلَ العدم، ووصف

الدنيا بدارِ المِحَن  والمصائب ،  وأكثرَ  مِن  ذَمِّها حتى تجاوز الحدّ ، واعتقادُه  بفلسفة  النشاؤم  هو الذى بغَّض إليه الحياة، وزهّد فى عينيه الدنيا.

_والتشاؤم : مذهبٌ قديم ظهر فى  ديانةِ البوذيين،

ويقوم على أنّ العقلَ يرى كلَّ شئٍ فى الدنيا  سيئاً،

وأنَّ مقدارَ الشرور فى الحياة يفوق مقدار الخيرات

..على أنّ هناك فرقاً بين المُتشائم والمُعتقِد بفلسفة

التشاؤم، فالخيام كان مؤمناً بفلسفة التشاؤم، بعكس

أبى العلاءِ المعرّى ، الذى كان  متشائماً  فانزوى

فى عُقرِ دارِه ، وسمّى نفسَه  "رهين المحبسَين":

العمر والدار.

……………

   ونحنُ نميلُ إلى كَون الخيّام مرّ بمرحلة التشاؤم أولاً  فى  بداياتِ حياتِه ، نتيجة  دواعٍ  سبقت تلك المرحلة ، إذ يبدو أنّه واجه  فى  الحياةِ مالايسُرُّه،

ولم يجد مايُخفِّف عنه هذا المضَض، فمال إلى التشاؤم، وقد اتضح ذلك فى قوله:

        الدهرُ   لايعطى   الذى  نأمَل

        وفى  سبيل   اليأس    مانعمل

        ونحنُ  فى  الدنيا  على  همّها

        يسوقها حادى الرّدى  المُعجَّل

                ………..

         لاتأملِ الخلَّ المقيم الوفاء

         فإنما   أنت  بدنيا  الّرياء

         تحمّل   الداءَ   ولاتلتمس

         له دواءً   وانفرد  بالشفاء

…………..

فنجد فيما سبق مكوّنات تشاؤمه…

من آمال لم تتحقّق ..فالدهر لايعطى الذى نأمل ….

تنكّر الحظ له ..معاناته من الأقربين.. الشكوى  من

الخلّان ..جفاء الدهر وتوالى البلاء..الفقر برغم أنه

من أهل الحِجا.

وربما كانت آخر أمانيه فى تلك المرحلة، ماقاله:

           لو كان لى قدرة ربّ  مجيد

           خلقتُ هذا الكون خلقاً جديد

           يكون فيه غير  دنيا  الأسى

           دنيا يعيش الحرّ  فيها  سعيد

………..

 ثم  دخل عالَم الارتياب والحيرة فيما أفضى به من إثبات الفعل منسوباً إلى القدر ، وأنَّ الإنسان َ  ليس له اختيار، وهى مرحلة أدّت به لمزيد من  التشاؤم

من الحياة  ، فبدأ   إنساناً  متحيّراً   ضالاً لايعرف طريقَه ، فاتّخذَ طريقَه  للخمرِ  تاركاً  وراءه الدنيا

وكروبها مودّعاً من خلالها حيرته.

فكثيرٌ من الناس أو بعضهم فى المرحلة الأولى من حياتهم  إذا  أصيبوا فى أحلامهم وأمانيهم ، وسُدَّت فى وجوهِهم فُرَصُ الانطلاق أو العمل ، وطال بهم

الأمد دون تحقيق أدنى  أمانيهم ، يستسلمون  للكآبةِ

والانطواء ، ويغشاهم التشاؤم.

وهو فى ذلك يقول:

          لم أشرب الخمرَ ابتغاءَ الطَّرب

          ولادعتنى    قلّةٌ    فى   الأدب

          لكنَّ    إحساسى    نزّاعاً   إلى

          إطلاق  نفسى كان  كلَّ  السّبب

وقبل الولوج فى تلك المرحلة،كانت حيرته تتمثّل فى شيئين: شقاء العَيش وحلّ لُغز القضاء ،فيما اعتقده من ثبوت القدَر والجبرية، وعبّر عنه بقوله:

        أُحسّ  فى  نفسى  دبيبَ   الفناء

        ولم أصِب فى العيش إلا الشقاء

        يا حسرتا    إن    حان   حينى

        ولم يُتَح لفكرة حلّ لُغز  القضاء

ولكن بداخله  شعاعٌ مُضئٌ  لم  ينكسف بفعل الخمر والنُّدمان..هذا الشعاع نفذ من بين هذه المتاهةِ وتلك

الظلمات ،وسيطر على نفسه ، ليبدأَ مرحلةَ الصَّحو

والتوبة ، قائلاً:

          ياعالِمَ الأسرارِ علمَ  اليقين

          ياكاشفَ الدُّرِّ عن اليائسين

          ياقابِلَ  الأعذار  فِئنا   إلى

          ظِلِّك ، فأقبل توبةَ  التائبين

ثم   صفت  روحُه ،  فانبعثت  منها  تلك  التجليّاتٌ

الصوفية، فناجى ربَّه قائلاً:

      ياربُّ  فى فهمِكَ حار البشر

      وقصّر   العاجزُ   والمُقتدِر

      تبعثُ  نجواك  وتبدو   لهم

      وهُم بلاسمعٍ  يعى أو بصر

فيُصبحُ   _ هو نفسُه _ المُتوجِّه   لِغَيره   بالنُّصح والإرشاد :

          دنياك ساعاتٌ سراعُ الزوال

          وإنكار  العُقبى  خلودُ  المآل

          فهل   تبيعُ   الخُلدَ    ياغافلاً

          وتشترى دنيا المُنى والضلال

وفيها..يتبرّأُ  _ أيضاً _ من الجبرية،  ويخلع ثوبَها تماماً  ،  وتنتهى  تجربته  إلى  الغَرف  من  ينابيع الحكمة :

         حار  الورى  مابين  كُفرٍ ودين

         وأمعنوا فى الشكِّ  أو فى اليقين

         وسوف يدعوهم  منادِى  الرّدى

         يقولُ   ليس   الحقُّ   ماتسلكون

وهاهو نفسُه الذى  لم يحتمِل الصبرَ فى بدءِ حياتِه، يقول:

        تحمّل   الداءَ    كبيرَ   الرجاء

        أنَّك     يوماً   ستنال    الشفاء

        واشكر على الفقر الذى إن يرِد

        أصبحتَ موفورَ الغِنى  والثراء

كقول(شوقى):

         فلو  طالعتَ  أحداثَ الليالى

         وجدتَ الفقرَ أقاربها  انتيابا

وفى  رباعياته  مايُشيرُ إلى عقليته الرياضية ، كما تجمع بين الفلسفة وعواطف الشاعر فى قالب ثرىّ

النّغَم ، ولكنه استطاع فى بعضها  تحويل  القضية الفكرية العامة لتحربة ذاتية عنيفة بالإيحات، فكان

الخيام شاعرَ الحُكَماء وحكيمَ الشُّعراء.

   _______________________

             _ الخيّام لُغزٌ مُحيِّر_

   نرى  أنّه  إذا  صدقت  الروايات  بنسب  جميع الروايات بنسَب جميع الرباعيات التى جمعها أحمد

رامى له،أنه لغزٌ محيّر فى ضوء هذا الترتيب الذى

وضعه رامى للرباعيات،لأننا لانستطيع من خلالها

تحديد  ملامح  حياته ، أو رسم صورة  لشخصيته

بسبب تلك الانتقالات من  النقيض إلى النقيض….

فمِن  لذّةِ  الخمر  واللّهو  إلى التوبة ،  إلى الرجوع للخمر ثم التوبة ، فالسخرية من الحياة والتشاؤم إلى

الصفاء مع الله، ثم الارتداد لما كان عليه  من  ذكر الخمر والندمان والسخرية من القدر، وهكذا…….

وهو ماأثبته رامى  نفسُه  قائلاً عنه  : " بين متفائل ومتشائم، وقدرى ومتصوّف ، وتقى ومستهتر".

فهل كان الرجل كذلك ، أم هى مراحل  كالتى  يمر بها آخرون ، تأخذ  من مُتع  الحياة  ماتأخذه ثم تفئ إلى أمر الله؟.

علينا أولاً أن نعود إلى  أنَّ  هذه  الرباعيات جُمِعَت من مصادر مختلفة ، وكما ذكرنا من قبل، تراوحت

بين   ستٍّ   وسبعين   رباعية  فى النسخة  الخطيّة بباريس ، والتى  يرجع  تاريخها لسنة٩٢٧ه، وبين ثمانمائة رباعية فى مخطوط مكتبة جامعة  كمبردج

سنة١١٩٥ه.كما أنه ماتوافر لدينا من ترجمة رامى

لم  يُعرَف  له  تاريخٌ  لكتاباته ، والتى  لو  وُجِدت لساهمت إلى حدٍّ كبيرٍ فى كشف هذا الغموض.

غير أننا سنحاول إيجاد  فى التتبُّع  الذى  نتّخذه من حياة الآخرين للوصول إلى صورةٍ واضحة المعالم

وهى _كما ذكرنا_ أنَّ  الإنسانَ  قد  يمرّ   بمراحل شتّى فى حياته..فالمرحلة الأولى من شبابه ،  تُغاير

المرحلة التى بعدها،فالتى بعدها، من غرور الشباب

وعنوانه  ،  مروراً  بالتجارب  الحياتية ،  فمرحلة النضج ثم الرشد العقلى، أوخلاصة التجربة.

ولدينا أمثلةٌ عديدةٌ على ذلك ، فمثلاً:

_أبو نوّاس (الحُسَين بن هانئ بنُ عبد الله)  الشاعر المعروف ، الذى عاش فى العصر العباسى الأول:

تاب بعد حياةٍ مليئة بالمجون، وقد كان مفتوناً شبابه وشعره والحياة ، وصلت به الحراك ان يقرا شعره

لبعض مستمعيه عريانا…

_أبو العتاهية (اسماعيلُ بنُ القاسم) :  احد الشعراء

المشهورين فى العصر العباسى الأول،كانت حياته

شطرَين : الأول_  تشرُّد ومجون ، والثانى_ توبة وزُهد.

_أبوعثمان سعيد بن وهب المصرى : من شعراء العصر  العباسى  الاول  كذلك..  كانت حياتُه فى أوّلها مجوناً وخلاعة ، ثم ندم اشد الندم وتابع توبةً

صادقة  ، جعلت (ابن الجوزي)  يسلكه  فى  سلك الصفوة.

وقد  اوضح الإمام ( محمد متولى الشعراوى)_رحمه الله_ذلك قائلاً:

"كنا ونحن فى مُقتبل حياتِنا التعليمية نحب  الادب

والشعر والشعراء، وبعد ان قرانا المعرّى  وجدنا

عنده بعضاً من الشعر يؤول إلى الإلحاد ، فزهدنا

فيه ، وخصوصاً عندما قرانا قولَه فى قصيدته :

تُحطِّمنا  الأيامُ  كأننا    زُجاج ولكن لايُعادُ له سَبكُ

واخذنا من ذلك القول إنه يُنكر البعث ، فقلنا  يغنينا

الله عنه ، ولكن صديقنا الشيخ (فهمى عبد اللطيف)

_رحمه الله_رأى المعرّى فى الرؤيا وهو غاضبٌ

منك لأنّك جفوتَه، فقلتُ: انا جفوتُه بكذا وكذا وانت

تعلم  السبب  فى  ذلك ،  وقال  الشيخ  (فهمى عبد اللطيف): هذا ماحصل.. وقلتُ لنفسى يجب ان أُعيد حساباتى مع المعرّى ، وجئنا بدواوينه "سقط

الزند"و" لزوم مايلزم " ووجدنا  إنّ  الرجل عُذراً

فى إن يعتبَ علينا، لأنَّ آفةَ الناس  الذين  يسجّلون

خواطر اصحاب الفكر ، انهم لاينظرون إلى تاريخ

مقولاتِهم ، وقد قال المعرّى قولَه الذى أُنكره  عليه

وقت إن كان شاباً مفتوناً بفكرِه ، وعندما نضج قال عكسَه ، ومثيرٌ من المفسّرين يمرّون بذلك ، مثل: طه حُسَين والعقّاد ، بدا كل منهما الحياة بكلامٍ  قد يؤولُ إلى الإلحاد،ولكنهما كتبا بعد النُّضج مايحمل

عِطرَ الإيمان الصحيح ، لذلك لايصحّ   لِمَن  يحكم

عليهم  أن  ياخذهم  بأولياتِ خواطرهم التى بدأوها

بالشك حتى يصلوا إلى اليقين، وجلستُ ابحث  فى

المعرّى الذى قال:

        تُحطِّمنا الأيامُ حتى كاننا زجاجٌ

        ولكن    لا  يُعادُ     لنا   سبكُ

فوجدتُه  هو  نفسُه  الذى  قال  بعد  ان  ذهبت عنه المراهقة الفكرية:

          زعم المُنجِمُ  والطبيبُ  كلاهما

          لاتُحشَرُ  الأجسادُ  قلتُ  إليكما

          إن صحَّ قولكما  فلستُ  بخاسِرٍ

          او صحّ قولى  فالخَسارُ عليكما

وقد مرّ (ابنُ سينا)الذى توفّى قبل مولد الخيام بنحو

خمس سنين بسئٍ مما مرّ به الخيّام ، إذ انصرف حيناً لاحتساء الخمر ، حتى قال فيها:

صَبّها فى الكأسِ صرفاً    غلبَت ضوءَ السراج

ظنّها  فى  الكأسِ  ناراً     فطفاها     بالمزاج

لكنه هو الرجل الذى نفض يديه من ذلك ومن الدنيا

باكملها   واغتسل  وتاب  وتصدّق  بما  معه  على الفقراء وردّ المظالم على من عرفه،وأعتق مماليكه

وجعل يختم  القرآن  كل ثلاثة ايام ختمة، ثم مات ،

ورُويَت  عنه  الأعاجيب   والكرامات  ،  واصبح ضريحه مزاراّ يطيفُ به المتبركون المتوسلون".

………..

كما  مرّ (ذو النون المصرى)  الصوفى الكبير  بما يمرُّ به بعضُ الشباب ، إذ  قال هو عن نفسه،عندما سُئل عن شبابه :" كنتُ شاباً صاحب َ لهوٍ ولَعِب"..

لكنه بعد ذلك ، كيف صار..يقول :" وخرجت حاجًاً

إلى  بيتِ  الله الحرام " ...وكان  من  اشهر  رجال التصوف ، والذى تتلمذ على يديه الكثيرون.

وقد قال (جمال بدوى) فى كتابه"المسافرون إلى الله بالإمتاع" :   وكما   يحدث   فى  كل  عهود  القهر والانحلال  واليأس  ، يلجا  بعضُ الناس  إلى مثابةِ

الدين  يمارسون  الزهد والتقشُّف وهم يهتفون:"إنّها للهِ وإنّا إليه راجعون"...ربما هرباً من الفتنة..وربما

سعياً  وراء  المثل  الاعلى  الذى ينشدونه فى عالم الروح ..وربما إحساساً منهم بالإحباط والهزيمة فى

معركة الحياة الأولى..فلاأقلّ من ان يكسبوا رضاء

الله فى الآخرة ".

فى  اعتقادى  كانت  تلك  هى  الاسباب التى كانت وراء التحول الكبير فى حياة الخيّام ، والتى سيفسّر

بعضاً  منها  ماسنذكره ، إلى   جانب   ماتقدّم  من تفسيرات.

……………………..

    لقد عاش الخيام_كما ذكرنا_ الفترةَ التى شهدت

قيام الدولة السلجوقية، وعاصر تلك الدولة فى أوجِ

عظمتها فى  عهد السلطان (ملك شاه) ، كما  شاهد فترات ضعفها وتدهورها بعد وفاة هذا السلطان فى

سنة(٤٨٥-١٠٩٢م) ،  نتيجة  النزاع  بين الامراء

السلاجقة على العرش، والمحاولات المتكررة التى

بذلها  حكام   الاقاليم   للاستقلال  عنها  ،  وكثرة المؤامرات والدسائس فى قصور السلاجقة، فضلاً

عن سوء الاحوال الإقتصادية فى البلاد ، وحملات

الصليبيين على بلادهم ، عندما أحرزوا انتصاراتٍ

كبيرة على الاتراك السلاجقة وانتزعوا منهم"الرها"

وأسّسوا بها أوّلَ إمارة صليبية فى حوالى ١٠٩٧م.

_كان ( عُمَر الخيّام )  فى ذلك  الوقت  قد ناهز او تجاوز الخامسةَ والسبعين عاما ، فعاش  تلك الفترة

المتدهورة من حياة الاتراك السلاجقة، والتى امتدّت

لنحو ستةً وعشرين عاما حتى وفاتِه ، وفيها  قاسى

العالم  الإسلامي  الويلات ،  وكثيراً  من  الاهوال والشدائد فى معاركَ عنيفة  أهلكت الحرثَ  والنّسلَ

واودَت بحياةِ الكثيرين بين قتيلٍ وأسير،  كما  أدّت

إلى  حدوث  مجاعات  فتحت  بالناسِ  فتكاً ذريعاً، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة والذراعين.

وقد  فطر  الله الإنسان على  ان  يدافعَ  عن  نفسه ويزودَ عنها مايوجَّه نحوها من كيدٍ وعدوان  وبغىٍ

وطغيان وظلمٍ وبهتان، فإذا عجزت قواهُ ووسائلُه المادية عن إن يرُدّ الخطررويصدَّ العدوان، وشعر بعدم قدرته على الكفاح والنضال ،  لم يجد بُدّاً من

اللجوء إلى الله، فيدعوه سرّاً وعلانية ً ، ويُلحّ  فى

الدعاء والتضرّع والاستغاثة، ويسأله ان يدفع عنه

الخطبَ ويُزيل الكربَ ويُذهب الغمَّ والهمَّ ،ويكشف

البلاء...وراى المسلمون إنه لاحول ولاقوة ، وانهم

قد ذلّوا وهانوا وضعفوا  واستكانوا  وأضحَوا بغير حاكم  قوىّ  يجمع  شملَهم ويتصدّى للدفاع عنهم ..

فالمساجدُ  اصبحت  كنائس  رُفِعَت عليها الصُّلبان

وأُبطِل منها الآذان ، والمسجدُ الأقصى قد حلَّ فيه

التقليص  محلّ  التوحيد ، والإنجيلُ مكانَ القرآن ،

والقسارسة والبطاركة مواضع الفقهاء والعلماء ، وشرع الناسُ  فى هذا  الجوّ  المُكفهرّ ، وفى هذه الظروف القاسية، يلتمسون من الله العونَ ويسألونه

إزالة الغُمّة عن هذه الامة.

وبرغم ماكان عليه الخيام  من خمرٍ ولهو ٍ، اندفعت فطرتُه السليمة مكتسحةً أمامها كلَّ ماكان فى حياته

من تشاؤم وقدرية ، وانتزعته من بين كئوس الطِّلى

لتتغلّب تلك الفطرة على مساعدتها ، فتعذُب  روحه وتنشط كمياه النهر المتدفّق وتسمو فى طريقها  إلى الله...فمحنةُ الدين  والأمة  فى هذا  العصر  أيقظت الكثيرين ونبّهتهم من سكراتهم ، وهى محنةًٌ  طالت

الخيام فآثرَ  دينَه  على  ماسواه  وآثر نداء  الفطرة ووجد الملاذ الحقيقى عند ربِِّه ، قائلاً :

         ياعالِمَ  الأسرار  علمَ  اليقين

         ياكاشفَ الضُّرّ عن  البائسين

         ياقابِلَ   الأعذار   فئنا   إلى

         ظِلِّك ، فأقبل   توبةَ  التائبين

  _________________________

- ترتيب الرباعيات، وهى(١٦٨) رباعية…بحسب

الاستنتاج الذى توصّلنا إليه فى كشف مراحل  حياة

الخيام.

أولاً: التشاؤم

           -------------

        أفنيتُ عمرى فى ارتقاب المُنى

 (١)   ولم أذُق فى العيش  طعمَ  الهنا

        وإننى   أشفقُ    أن    ينقضى

        عمرى  ومافارقتُ  هذا   العنا

               -------------

       إذا انطوى عيشى وحان الأجل

 (٢)  وسُدّ  فى  وجهى   بابُ  الأمل

       قرَّ  حبابُ  العمر  فى    كاسِه

       فصُبّها   الموتِ   يلقى   الأزل

               --------------

       سرى بجسمى الغضّ ماءُ الفَنا

  (٣) وسار فى روحى  لهيبُ  الشّقا

       وهِمتُ مثل الريح  حتى  ذرت

       تراب جسمى عاصفات  القضا

               --------------

        لم يبرح الداءُ  فؤادى   العليل

 (٤)  ولم أنَل قصدى وحان الرحيل

       وفات   عمرى   وأنا   جاهلٌ

        كتابَ هذا الدهر جمَّ الفصول

              ---------------

       لم تفتح الأنفس باب  العيوب

  (٥) حتى ترى كيف تُسامُ القلوب

       ماأتعسَ القلبَ  الذى  لم  يكد

       يلتامُ  حتى  أنكأتهُ  الخطوب

             ---------------

     طوَت  يدُ  الأقدار  سِفرَ  الشباب

(٦) وصوَّحت تلك الغصون الرّطاب

     وقد  شدا   طيرُ  الصِّبا  واختفى

     حتى  أتى.. يا لهفا..أين  غاب ؟

            ---------------

        الدهرُ   لايُعطى   الذى   نأمل

 (٧)   وفى   سبيل   اليأس  ما  نعمل

        ونحنُ  فى  الدنيا  على   همّها

        يسوقها حادى الرّدى   المُعجل

             ---------------

       تروحُ     أيامى       ولاتغتدى

 (٨)  كما  تهُب  الريحُ    فى   الفدفد

       وماطويتُ   النفسَ   همّاً  على

       يومَين : أمسى المُنقضى  والغد

              --------------

        تعاقُب  الأيام  يُدنى   الأجل

 (٩)   ومُرُّها يطويك  طىَّ  السجلّ

        وسوف تفنى وهى فى كرِّها

        فقضِّ  ما  تغنَمهُ   فى  جذَل

               -------------

       إنّ الذى  تأنَس  فيه  الوفاء

(١٠) لايحفظ الودّ  وعهدَ  الإخاء

       فعاشرِ  الناسَ  على   ريبةٍ

       منهم ولاتُكثِر من الأصدقاء

              -------------

       لاتأملِ الخِلَّ العظيم الوفاء

(١١) فإنما   أنت   بدُنيا  الرياء

       تحمّل   الداءَ    ولاتلتمِس

       له  دواءً  وانفرِد   بالشقاء

             --------------

       فكم على  ظهر  الثّرى  من نيام

(١٢) وكم من الثاويين  تحت   الرّغام

       وأينما    أرمى    بعينى    أرى

       مُشيّعاً     أو     نهزةّ    للحِمام

            ---------------

       ياقلبُ  كم  تشقى  بهذا  الوجود

(١٣) وكل   يومٍ    لك    همٌ    جديد

       وأنتِ    ياروحى   ماذا   جنَت

       نفسى   وأُخراكِ   رحيلٌ   بعيد

            ---------------

        لو  كان لى قدرة  ربٍّ مجيد

 (١٤) خلقتُ هذا الكون َ خلقاً جديد

       يكونُ  فيه  غير  دنيا الأسى

       دنيا  يعيشُ  الحرُّ فيها  سعيد

            ----------------

       هبطتُ هذا العيشَ فى الآخرين

(١٥) وعِشتُ  فيه   عيشةَ   الخاملين

       ولا يوافينى      بما      أبتغى

       فأين  منّى  عاصفاتُ   المَنون

            ----------------

         لم  يخلُ  قلبى  من  دواعى  الهموم

(١٦)   أو ترضى نفسى عن وجودى الأليم

        وكم    تأدّبتُ                بأحداثِه

        ولم   أزَل   فى   ليلِ   جهلٍ   بهيم

             -----------------

          وكُلّما راقبتُ  حال َ الزّمن

 (١٧)   رأيتُه  يحرِمُ   أهلَ  الفِطَن

          سبحان ربّ ، كلّما لاح لى

          نجمٌ  طوتهُ  ظُلُماتُ المِحَن

              ----------------

          وإنّما  الدهرُ  مُذيق   الكروب

(١٨)    نعيمُه  رهنٌ   بكفِّ  الخُطوب

          ولو درَى الهمّ  الذى  لم  يجئ

          دنيا الأسى لاختارَ دار الغيوب

              ----------------

         صُبَّت  علينا  وابلاتُ   البلاء

(١٩)   كأنّنا   أعداءُ    هذا   القضاء

         بينما ترى الإبريقَ والكأس قد

         تبادلا  التقبيلَ   حولَ   الدماء

              ----------------

          وإنما الدنيا  خيالٌ  يزول

(٢٠)    وأمرُنا فيها حديثٌ يطول

           مشرقها بحرٌ بعيدُ المدَى

          وفى مداهُ سيكونُ الأُفول

               ----------------

         أتسمَعُ   الديكَ  أطالَ  الصباح

 (٢١)  وقد بدأ فى الأُفقِ نورُ الصباح

         ماصاحَ    إلا     نادباّ     ليلةً

         ولّا من  العُمر السريع الرّواح

               ----------------

           ليتك    ياربّى   تبيد   الوجود

 (٢٢)    وتخلق  الأكوانَ   خلقاً   جديد

          فتغفل  أسمى  أو  تزيد   الذى

          قدّرت لى فى الرزق بين العبيد

               ----------------

          أعلمُ مِن أمرى الذى قد ظهَر

(٢٣)    وأستشِفُّ   الباطنَ   المُستتر

          عدمتُ فَهمى إن تكُن نَشوتى

          وراءها    منزلةٌ      تنتظر

               -----------------

          سئِمتُ   ياربّى   حياةَ   الألم

(٢٤)    وزاد   همّى   الفقر  لمّا  ألَمّ

          ربّ انتشلنى من وجودى فقد

          جعلتَ فى الدنيا وجودى عدَم

               -----------------

         بِى مِن جفاءِ الدهرٓ همٌّ  طويل

(٢٥)   ومِن شقاءِ العَيشِ حزنٌ دخيل

         قلبى كدَنِّ للخمرِ  يجرى  دماً

         ومُقلَتَىَّ بالدموع  كأسٌ  تسيل

               ----------------

           كَم آلمَ الدهرُ  فؤاداً   طعين

(٢٦)     وأسلمَ الروحَ ظعينٌ  حزين

           وليس   مِمَّن    فاتنا    عائدٌ

           أسأله  عن  حالةِ  الراحلين

               -----------------

          ياوردُ أشبهتَ خدودَ  الحِسان

 (٢٧)   وياطِلَى حاكيتَ ذوبَ الجمال

          وأنت   ياحظّى   تنكّرتَ  لى

          وكنتَ مِن قبلُ الأخُ المُستعان

______________

   فى هذه المرحلة نجده قد أكثر من التحسُّر على

فوات العُمر دون تحقيق مايتمنّاه ( أفنيتُ  عمرى-

انطوى عيشى وحان الأجل-ماءُ الفنا- حان الرحيل

-طوت يدُ الأقدار سِفرَ الشباب-يسوقنا حادى الرّدى

المُعَجّل، وغيره …..).

وأكثرَ مِن ذكر الألم (ومافارقتُ هذا العمل- لهيبَ الشقاء-تحمّل الداء -انفرد بالشقاء-ظلمات  المِحَن-

كم آلمَ الدهرُ فؤاداً طعين، وغيره….).

وذكر  الفقر (  وزاد  همّى  الفقر-رأيتُه يحرم أهل الفِطَن ،……)

وسوء الحظ( وأنت ياحظّى تنكّرتَ لى..)

و..جفاء الدهر، واليأس من الخلّان والرياء.

كل هذه الأشياء كانت  من مكوّنات تشاؤمه ، والتى أدّت إلى مرحلة اعتقاده بالجبرية، وثبوت  الأعمال

للأقدار ،  حتى  سخِرَ  منها  واستخفَّ  بالحياة أيٌما استخفاف.

      _______________________

      ثانياً : مرحلةُ الجبريّة والسُّخرية من القدَر

      ………………………………..

        لبِستُ  ثوبَ  العَيش لم أُستَشَر

(٢٨)  وحِرتُ فيه  بين   شتّى  الفِكَر

        وسوف أنضو الثوبَ عنّى ولَم

        أُدرِك لماذا جئتُ ، أينَ المَفَر؟

              -------------

        لو  أنّنى  خُيِّرتُ  أو كان  لى

(٢٩)  مِفتاحُ    بابِ   القدَرِ  المُعجَّل

        لااخترتُ عن دنيا الأسى أنّنى

        لم   أهبط   الدنيا  ولم  أرحلِ

             --------------

         كُنّا فصِرنا قطرةً فى عُبابٍِ

(٣٠)   عشنا وعُدنا ذرّةً فى التُّراب

         جئنا إلى الأرضِ ورُحنا كما

          دبَّ عليها النملُ حيناً وغاب

               ---------------

         خلقتني  ياربّ  من  ماءٍ  وطين

(٣١)   وصُغتَنى ماشئتَ من ماءٍ وهُون

         فما  احتيالى  والذى  قد   جرى

          كتبتَه    ياربّ    فوقَ   الجبين

                 ---------------

          ويا فؤادى  تلك  الدنيا  الخيال

(٣٢)   فلاتنوءَ  تحت   الهمومِ  الثِقالِ

         وسلِّمِ   الأمرَ  ،   فمحو  الذى

         خطَّت  يدُ المقدارِ  أمرٌ  مُحال

              ---------------

        وإنما  نحن  رخاخُ  القضاء

(٣٣)  ينقلنا  فى  اللَّوح  أنّى يشاء

        وكل من  يفرغُ  من  دورِه

        يُلقَى  به  فى مُستقرِّ  الفناء

            ----------------

         لن يرجع المقدارُ  فيما  حكَم

(٣٤)   وحِملُك   الهمّ   يزيد   الألم

         ولو حزنتَ العمرَ لن ينمحى

         ماخطّه  فى  اللّوحِ مرّ القلَم

           -----------------

        لاتشفلِ    البالَ   بأمرِ   القدر

(٣٥)  واسمع حديثى ياقصيرَ  النظر

        تنحَّ    واجلس   قانعاً   وادعاّ

        وانظر إلى لعبِ القضا  بالبشر

             -----------------

        طبائع    الأنفُس     ركّبتها

(36)  فكيف تجرى أنفُساً  صُغتها

        وكيف تُفنى  كاملاً  أو ترى

        نقصاً بنفسٍ  أنت  صوّرتَها

               ---------------

        وصلتنى بالنفس  منذ  القدم

(37)  فكيف تفرى شملَنت  الملتئم

        وكنتَ  ترعانى  فماذا  دعا

        إلى اطّراحى للأسى  والألم

              --------------

       ماذا  جنينا   من  متاع  البقاء

(38) ماذا   لقينا   فى  سبيل  الفناء

       هل  تُبصرُ  العين دُخان الأُلى

      صاروا رُماداً فى أتونِ القضاء

            ---------------

       أحسُّ  فى  نفسى  دبيبَ  الفناء

(39) ولم أُصَب فى العيش إلا الشقاء

       ياحسرتا  إن  حان  حينى  ولم

       يُتَح  لفكرى حلّ  لُغز  القضاء

            ----------------

       أفنيتُ عمرى فى امتناع القضاء

(40) وكشف   مايحجبه   فى  الخفاء

       فلم   أجد    أسرارَه   وانقضى

      عمرى وأحسستُ  دبيبَ   الفناء

           ----------------

       جهلت  يا نفسى  سرَّ  الوجود

(41) وغِبتِ فى غَور القضاء البعيد

       فصوِّرى   من   نشوتى  جنّةً

      فرِبّما   أُحرَمُ    دار    الخلود

           ---------------

        لم يجنِ شيئاً من  حياتى الوجود

(42) ولن يُضيرنى  الكون   أنّى  أُبيد

        واحيرَتى   متقال    لى    قائلاً

        ماذا اشتعال الروح،كيف الخمود

            ----------------

        حكمُكِ  ياأقدارُ  عينُ   الضلال

(43)  فأطلقينى   آدِ   نفسى    العِقال

        إن تقصرى النُّعمَى على جاهلٍ

        فلستُ من  أهل  الحِجا والكمال

             ---------------

         كان   الذى  صوّرنى  يعلم

 (44)  فى   الغَيبِ   ماأجنى  وآثَم

         فكيف  يجزينى  على  أنّنى

         أجرمتُ والجُرمُ قضاً مُبرَم

    __________________________

    فى هذه  المرحلة  يعترض  الخيام  على  عدم استشارته فى المجئ إلى الدنيا، وبما إنه لم يُستَشَر

يعترض على ان يجازيه ربّه على إثمه  وجُرمه ،

وفيها يُثبِت الفعل للقضاء باعتباره قضاءًا مُبرَما ،

فكيف يُحاكَم على ماكان فى سِجِلات القضاء مُقدَّماً

..ويتّهم  الأقدارَ بالضلال ، واننا  كقِطَع  الشطرنج

يحرّكنا القضاءُ كيف يشاء ، فما احتيالُه فيما صار

إليه وهو مكتوبٌ عليه فى  الاساس ، وأنَّ القضاءَ

يلعبُ بالبشر، ولو كان الأمرُ بيده ماهبط إلى الدنيا

وما رحل ، وإنه لم يُصَب فى عيشه  إلا بالشقاء ،

وأنه عاش عمره متحيّراً فى حلِّ لُغز القضاء، ولم

يعرف لماذا جاء وكيف المفَرّ ؟

ولقد كان لاعتقاده بالجبر، وثبوت الفعل للقدر أثرٌ

سئٌ فى حياتِه ، لان ذلك سدٌّ لمنافذ الامل فى حياة

الإنسان.

وقد وصف الإمام(محمد عبده) أصحابَ عقيدة الجَبر بانهم سلبيون، وأجدرُ بهم كما قال:" إن يتحوّلوا من عالم الوجود إلى عالم العدم".

    _________________

             ثالثاً : مع الخمر

             …………..

_على أبوابِ الدخول:

   ''''''''''''''''''''''''''''''

سمعتُ  صوتاّ هاتفاً فى  السّحَر

نادى  من  الحانِ   غُفاةَ   البشر

هبّوا املأوا كاسَ الطِّلَى قبل أن

تفعمَ  كاسَ   العُمر  كفُّ  القدَر

          ………..

سمعت ُ فى خُلمى صوتاً أهاب

مافتّق   النومُ    كمامَ   الشباب

أفِق  فإنَّ  النومَ  صِنوُ   الرّدى

واشرب  فمثواك فراش التراب

       ………

ومازالت هناك  للرباعيات،لكننا اكتفينا لهذا الحد،

وفي ال


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *