جدلية خوصصة الثقافة
العقيد بن دحو
تبدو فكرة خصخصة الثقافة او احالة الثقافة إلى الخاص ، و الاستثمار او إلى
التجارة و الاقتصاد غير اخلاقي.
او ما هي المقايضة و المبادلة و النفسية الروحية التي تجنيها الثقافة؟
كمن يرمي خطاه الأولى بهوة هاوية سحيقة لا اول و لا آخر لها ، و سواء يدري
او لا يدري....!
فمنذ القدم ؛ و منذ ان اسندت الثقافة و استقلت عن الفلسفة ، اعتمدت وصارت قطاعا تابعا للدولة ماديا و معنويا و
بشربا ومرفقا عاما؛ تعتمد على الدولة ، بل تقتصر الدولة على مخرجاتها و على اثره
الرجعي.
ولأن الثقافة في مجرى التاريخ ، و لاسيما ابان الحرب العالمية الثانية.يوم
صارت الثقافة في قلب المعركة مادة و بشرا.
يبدو اليوم اي تقارب بين الثقافة و الاقتصاد وكذا التجارة تقاربا غير
اخلاقيا .
من المتفق عليه اننا لا نعرف الادب و الفن و الثقافة وصفي بواسطة اي مقياس
، فالمقياس الوحيد ، ما يسمى بالقابلية اللاتكسبية .
يسمى كل ثقافة و أدب وفن كل مطالعة او مقروئية او مشاهدة ، مقروءة مسموعة
مرئية غير نفعية لا يرجى منها عائد مادي. اي انها تشبع حاجات حضارية بشقيها المادي
و المعنوي.
وإذا ما حاولنا ان نجد تاريخا افتراضي يربط الثقافة بالأمورالإقتصادية او
الشان التجاري او بالاستغفار، يعود إلى القرن الثامن عشر. و يعزى إلى ممتلكات
" الاثاث" بالمملكة البريطانية
في معنى البيع بالمزاد العلني. بمعنى الهتك ، الفظ لسر الخلق و الإبداع.
على مستوى مجهول في ساحة عامة. وتمة ، عنف بالتراضي وهرطقة شرعية ، و صدمة للرهافة
العامة او للذوق العام ، يهيمن عليها اختبارات مالية مادية . فعملية الاتجار لأي
اثر فني ادبي ثقافي فكري مسلوخ او منزوع من عمق الذات انتزاعا ، عملية ، فيها
الكثير من التعاهر او " بيع الجسد " !. او كما يقول ( بلوت).
غير ان ليبرالية القيم تبدو غير مستجابة ؛ نستصاغة؛ ثقيلة على الاصغرين :
القلب و اللسان إلى حد الساعة. رغم العولمة و الثورة السيبرالية التي تشهدها
المعمورة و يعيشها العالم.
لا يمكن استثناء قطاع الثقافة ، إلا أن هذا بالظاهر ، و بالاستهلاك الشعبوي
الاعلامي الحرفي للكلمة ، اما ماهو باطني و مستتر غير ذلك تماما. فالكتابة ما يبقى
بعد ان نخسر كل شيئ ، و بعيدا عن فلسفة الثقافة كسلاح ، فمن العاقل الذي يبيع
سلاحه ، بعد ان باع جسده قي مجال حيوي و حق تاريخي مباح لهيمنة الاخر الأقوى و
الاكبر .
او : "من أعطى سلاحه بيده مات به "! كما يقول المثل الشعبي.
بل ؛ لابد أن نجد المعادل الأخلاقي الاجتماعي التجاري الاقتصادي من يحاول
ايجاد استثمار معين في قطاع يطرح عدة اشكالات و تاويلات اجتماعية فنية ، ابداعية ،
نفسية ، اقتصادية ، تجارية ، تقنية.
التجارة الممكن ، أين لا يكون المال هو رأس المال ، و انما الإنسان رأس
المال غير الجبان اولا و انسنة الانسان ثانيا. الاستثمار في الانسان حيث يذوب
الاستغلال التجاري و الاقتصادي في الاستغلال الفني و التقني و الابداعي ، و العمل
على خلق ثروة المعلومة عوضا عن ثروة المادة الليبرالية المتوحشة.
اذ مثل انسان يحاول أن يتاجرون بالثقافة ؛ تماما كمثل البطل الاغريقي في
الأسطورة الاغريقية ( ميداس) ، من عوقب " بالذهب" ، كل من لمسه يتحول
إلى ذهب ، حتى ان نسي ؛ و لمس جسده فتحولت سائر اعضاءه إلى ذهب مما صار يتضرع إلى
الالهة من هذا التحول الذهبي.
ميداس الذي تحول جسده كليا إلى تمثال ذهب ، إلى منحوثة كفيل ان تدخل
الثقافة إلى متحف. المتحف الذي يغدو فيه الصليب ان يصير نحتا از كما قال ( مالرو).
وحتى عبثا ان حاول علم الاجتماع سوسيولوجية الأدب من ( روبيرا اسكاربيت)
إلى( بن خلدون) إلى( ذور كايم) ان يجدوا توليفة تحفظ ماء وجه الجميع الاقتصاد ،
التجارة ، الاستثمار الا وقعوا في نفس الأشكال الاخلاقي الأول.
لابد ان نكون متفهمين إلى حجم المسمار الذي يشق لحاء القطعةالخشبية ،
بدورها لا بد أن نكون متفهمين لحجم المطرقة التي تطرق راس المسمار.فماذا تقول
الثقافة وقتئذ؟
إذا ما دق ناقوس معبدها وجرس بابها الاقتصاد او التجارة و صارت تقاوم على
ما تبقى.... !؟
لا ننسى ان المستعمر الفرنسي المستدمر الفرنسي دخل عبر بوابة سيدي فريج
1830 تحت شعار ( الثقافة) !.
Sauf les francais qui parlent .
او كما قال العالم اللغوي الفرنسي (بوهور).
وبين هذا وذاك لعل عميد الأدب العربي د. طه حسين وجد المعادل الشاف الذي
ينصف الفريقين المفكرين( الثقافة و الاستثمار / التجارة) إلى حد ما.
Taha Hossein dans un soci'ete' .
قدم البحث او الراي في المؤثمر الدولي للفنانين و الدفاع عن الثقافة
البندقية سنة 1952 ، و نشرت في :
L'artiste dans un socie' contenpiraine U.N.E.S.C.O 1954.
أعطى د. طه حسين المسألة معناها المادي الصحيح الحقيقي بقوله : توجد هنا
صفقة غير شريفة بين الثقافة و التجارة و حتى الاقتصاد ، اي بين رجل الثقافة ورجل
المال والأعمال. فنصير الثقافة يعطي ذهبا
و فضة ينفقها رجل الثقافة كلما حصل عليها. اما رجل الثقافة و الأدب و الفن فيعطي
فنه و ادبه و فكره الذين لا يمكن ان يصرف
باي حال من الأحوال.
اذن تبدو محاولة تخصيص قطاع الثقافة او فتح مرافقها او قيمها او اثارها على
( السوق) تبدو كمن يسعى إلى بيع قطعة من كيانه ، من ،
وجدانه ، من روح روحه.
شيئ ثقيل عن السمع ، تشعر بالتقزز و سقط المتاع ، و ساعة ما يشرع المرقي
يرقي القيم صعدا نحو الاسفل بشكل ( سيزيفي) و قتئذ ستشعر الإنسانية باكبر خسارة
لبريقها البشري ، و ماكان يراهن عليه بعد ان يتعلم كل شيئ ؛ و بعد ان يخسر كل شيئ
!.
لا أرى إلا أن تظل الثقافة خط أحمر ملك للدولة كونها سلاح ذو حدين ، و لا
نريد أخطاء اخرى متلك التي ارتكبت و اضاعت العديد من المراكز الثقافية البلدية و
العديد من الدور الثقافية التي تحولت آلى أغراض خاصة بعيدة عن الفكر و الأدب و
الفن و بعيدة حتى عن التاريخ.
وصدق المثل الشعبي الجزائري القائل ؛ " الباب اللي تجيك منه الريح سدو
و استريح " !.