المسرح و الدولة
العقيد بن دحو
غضب وزارة الثقافة المعلن على بعض قطاعاتها ، و بعض من مسيريها الشاغر
المرفق العام الفني الأدبي الثقافي الإداري له اكثر مما يبرره.
ذاك ان الدولة و عبر وزارة الثقافة ، اتنبهت مبكرا إلى أن جل الفنون و
الآداب و بعض مظاهر الاحتفالات، لم تعد لهوا و لا ترفا...تبدو انها بدأت حياتها
هكذا.... لكن التطور الثقافي و الحضاري جعلها ثقافة و حضارة ، اما الان فهي توعية
، تعبئة ، و سلاح !.
تعود علاقة الدولة بالمسرح إلى القرن (- 5 : ق.م) ، يوم ان رأت الدولة
الاغريقية تعلق الشعب الاثيني بفن المسرح ، فما كان عليها الا ان تتبناه بمزيد من
الدعم و الرعاية . بل ؛ اكثر من ذلك عندما وجدت التأثير المباشر ، ووقع السحر على
مشاعر الساكنة ، و كذا تعلقهم به وجدانيا و اجتماعيا . فما كان عليها الا ان
دسترته وقننته ، وصار المسرح سلطة و من الثوابث الوطنية.
و لا سيما عندما وجدت المسرح يحاكي بشكله المباشر معركة ( ميلوس) . تلك الحرب التي كانت قائمة بين الفرس التي
سماها الاغريق ( البسيسيستراس) بمعنى البرابرة و الدولة الاثينية و القصة معروفة.
اليوم من حق الدولة الجزائرية و عبر وزارة الثقافة ان تغضب على من يمثلها
عبر مسارحها الجهوية و الوطنية ، و هم يرون شهاب الحرب قد سطعا ، تحيط بالثخوم
الجزائرية من جميع الجهات برا وبحرا وجوا و فضاءا !
ولا من فيهم يحرك ساكنا ، الجميع
غارقا بالبيروقراطيات من قمة راسه إلى اخمص قدميه ، و نسي الرسالة التي عين ونصب
من أجلها هذا الإطار الكادر الذي كان من المفروض ان يبعث الروح المسرحية في احذاق
الجماهير ، و بالتالي ان يحرر الرسالة الوطنية الخالدة النبيلة إلى مختلف الجماهير
!.
او ما فائدة المسرح القومي الوطني ان لم يكن (غرامشبا) ملتزما ، معنى
بالقضية القومية الوطنية ، و ليس الفن عموما و المسرح خاصة سلبيا متفرجا على الاحداث !.
من جهة اخرى هذه ( الغضبة) على وزن ( الهبة) يجب أن لا تتوقف عند حدود أبا
الفنون المسرح ، الفن الرابع ، فكل الفنون و الطبوع ، و كل المرافق الثقافية في
حاجة إلى أن يصلها صراخ غضب الدولة !.
ان يحرك الكوامن و الثوابث و الترسبات .
ان كان هذا الفن العريق يزداد بعدا عن المواطن ، بدلا من ان يقربه من الوطن
و يعنى بالشان العام و الخاص.
هذه الغضبة (...) المنفردة ، و صلت مباشرة إلى الشعب ، اثلجت صدره ، و
جعلته يشعر بأن الدولة معنية ايضا بالشان الفني و الثقافي.
فليست الثقافة فعل خاص بالفئة الاونتلجونسيا ، التنويرية ، و انما ايضا
الدوائر الشعبية معنية بالشان العام الاجتماعي الثقافي الاقتصادي السياسي.
المسرح و الدولة طرفان في قضية واحدة ، شان اللغة بالنسبة للدين و العرق و
البيئة و التاريخ.
لا يمكن للنضال الجزائري ضد المستعمر المستدمر الفرنسي ان ينسى الحادثة
المسرحية ، يوم ان مثلت مسرحية ( اونتجون) للكاتب الاغريقي " صوفوكل"
على ركح المسرح الوطني ( محي الدين بشطرزي) سنة 1953 ، و لما اعيد تمثيلها سنة 1954
وشاهدت الجماهير الجزائرية العرض مجددا ، و مدى تضحيات ( اونتجون) الجسام. اسقطوا
الحدث على واقعهم المعاش ، فضجت الجماهير بالبكاء ، و أثناء اسدال الستارة لم يعود
الممثلين و لا المخرج و لا الجماهير إلى بيوتهم ، بل إلى الاودية و التلال و
الجبال و الصحاري ، التحقت بصفوف اخوانهم الثوار الجزائريين ، ليكملوا و يلعبوا
أكبر لعبة انسانية عميقة ، شهد لها
التاريخ العالمي المعاصر ، مثلوا أروع دور الفارس الوطني الحر ، الذي رفض الدور
الذي لعبه له ( الاخر) ، ان يظل ( كومبارسا) إلى ابد الابدين ، ان يقوم بلعبة دور
البديل!.
الدولة تكون قد شعرت بهذا الدور البديل الذي أرادوه للاداري ان يلعبه عوضا
عنهم !. و لا سيما تلك الأدوار التي تتم بالكواليس و تحاول أن تحرك خيوط اللعبة
بعيدا عن الاضاءة او الحركة او الإيقاع، بل حتى في عدم وجود جمهور !.
غضب الدولة له ما يبرره ، كان
واضحا ، فالمسرح فكرة و ليس ملء فراغ او قتل وقت كما يقولون.
تلك الفكرة التي تغير وجه المحيط بل العالم.
الان وضح كل شيئ ، تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، و المدير المسرحي
الناجح ، مدير المكتبة الناجح ، و مدير
دار الثقافة الناجح ، و مدير الثقافة الناجح هو نحاح ميدان ، ان يشارك سائر اعوانه
و شركائه وفواعله ، و نشطائه الاجتماعيبن الثقافيبن الفنيبن الأدباء طاولة (العصف
الذهني) . يساهم الجميع في جل المشكلات العالقة المؤجلة !.
غضب الوزارة ، غضب الحكومة ، غضب الرئاسة من غضب الشعب على قطاع ثقافي يعز
على الجميع المال و الحال الذي ال اليه !
بينما يعد التفكير في مشروع قومي وطني لانقاذ الثقافة بات اكثر من ضرورة ،
على غرار ذاك المشروع الكوني لانقاذ الثقافة بالبندقية سنة 1933 .
مشروع يساهم فيه جل الخيرين الوطنيين المثقفين الفنانين بالداخل و الخارج
لإعادة تصميم و هندسة الخريطتين الثقافية الفنية الادارية من جديد على ربوع الوطن.
كمدخل ، متخلل ، مخرج ، و كاثر رجعي او تغذية راجعة .
غضب من غضب ، غير ان نرجوه غضبا ( بريختي) ملحمة، تفكيري ، تغييري ، و ليس
غضبا ابويا على ابن إصلاحه من المستحيلات السبع ، و لا رجاء في علاجه !.
لكن يبقى (الامل) قائما ما دام صار للدولة قلبا نابضا على المسرح ، و ان
المسرح (سلاح) لا ينبغي أن يظل في ايدي مدراء مسرح نياما في بلهنية.... همهم
الوحيد شباك التذاكر ، و العائد المادي !. و الجمهور التكفيري التطهيري القراقوزي
، الكاريكاتوري ( الارسطوي) !.