عقدة الرياضيات
العقيد بن دحو
دعنا نقر اولا - شئنا ام ابينا - ان مادة الرياضيات لا تزال تشكل ذاك
الهاجس المخيف للعديد من تلاميذتنا و طلابنا ، حتى اولئك الجادين الجيدبن منهم .
من اوتوا نصيبا من ناصية رائز الذكاء و الذاكرة في هذه المادة ، حتى اصبحت تشكل
لهم عقدة لغة و اصطلاحا و فيلولوجيا!.
الرياضيات هذه المادة العلمية ذات المنهاج "التجريدي" ، ورغم التطور الحضاري و العلمي الذي شهدته
المدرسة بجميع اطوارها و حتى المعاهد و الجامعات ، و كذا في المناهج و اساليب طرق
التدريس ، و مدى التقدم الذي شهدته حضارة التربية المادية و المعنوية، و
البيداغوجية و حتى الاوندراغوجيا و على جميع الاصعدة العلمية التعلمية التعليمية ،
الا انها ظلت مادة (الرياضبات) الخوف المرضي الذي اصبح ( رهابا) او داء (
فوبيا) !.
يحز في نفسي تلميذ صغير بالطور التعليم المتوسط و هو يجهز و يعد محفظته
ليلا ، و كافة افراد العائلة ترتب و تحضر على اعصابها معه واجباته الرياضية ، كراس و كتاب الرياضيات ، الكوس ، المنقلة ،
المدور ، قلم الرصاص ، و بات نصف نائما بملابسه و مئزره و كانها الحرب غدا !.
مسهد القلق هذا ؛ من حيث الخوف
الدفين صار يخيم على اجواء العائلة !، ينقله بدوره هذا التلميذ او الطالب الى
المدرسة مرورا بالشارع ، بل يوزعه على باقي رفاقه في ( الكفاح) !
اذ الحفظ غيبا لم يعد حلا ، كما ان : راس كامل الامتلاء في راس كامل
الاعداد كما يقول (مالرو) لم يعد اعدادا.
وسواء كان تدريس هذه المادة بالاهداف او المقاربة بالكفاءات ، لم يمس جوهر
المشكلة بالنسبة للتلميذ او الطالب او لاوليائه او حتى للمعلم او الاستاذ المدرس ،
و لا حتى من المادة نفسها ، بل ازداد عمقا و ازداد التجريد تجريدا ؛ و اتسعت الهوة
اكثر فاكثر بين المتمدرس و المادة من جهة ، و بين المتمدرس و المدرس ، و بين
المتمدرس و المدرسة ذاتها . اذ هذه التطورات الحديثة و كذا انتقال النعليم من
تعليم الى تعليم ، من متوسط الى اكمالي الى اعدادي ، الى اساسي ، الى العودة الى
المتوسط لم تستفيد منه المادة ، بل ظلت و كانها هي المدرسة ذاتها.
وحتى يتمكن الجميع من ادراك هذه الابعاد جميعها يجب اولا : على المربين و
سائر الفئة الشغيلة بالحقل التربوي ان يسمعوا ويقراو و يتفرصوا ناقوس الخطر في
اعين التلاميذ الابرياء ، الذين بالغالب ما يكتفون بالتلميح دون التصريح !.
ان يعوا مجددا الى اهمية الرياضيات في تقدم هذا العصر الذي اثقله منطقه ، و
من فك شفراته و التمكن من مفاتيح اسراره ، و الولوج باكثر ثقة و عزيمة الى تلافيف
متاهاته ودهاليزه بامن و سلامة.
ثانيا / يجب مصارحة الجميع و الاقرار بالصعوبات التي تواجه الملقي و
المتلقي في هذا المجال.
على المنظومات التعلمية التعليمية ان تضع جميع المتلقين و الملقين معا قي
حالة تفهم ، القابلية لتقبل هذه المادة.
الى حد الساعة لا يوجد احصاء تربوي حول تدريس هذه المادة او غيرها ، و
الاكتفاء بتقارير بيداغوجية معظمها معدة سلفا اوتوماتيكية لن تمكن الباحث من ايجاد
الحلول المجدية التي غالبا ما تكون نفسية.
اذ التلميذ يدخل الاكمالي او الثانوي و هو يتملكه الرعب و الخوف من المادة
حتى قبل ان يدرسها و يتعرف على استاذه !.
على التربية ان تضع التلميذ / الطالب في حالة مراس ، حالة تدريب ، حالة
ترويض الدائم المستمر ، ليست على حل التمارين النمطية الكلاسيكية التقليدية التي
ادت بنا الى هذه (الفوبيا) !.
انما العمل على طرح الاشكالات مجددا ، اذ الخطا في اصل الرياضيات في مدخلات
السؤال نفسه !
بطبيعة الحال تكون المخرجات هذه ، هذا التململ ؛ السام ؛ ومختلف الاكراهات
الاخرى التي تشهدها المدرسة اليوم ، و
سبورة قسم/ او /فصل او/ وحدة بيداغوجية الرياضيات.
التمكن من طرح الاشكال مجددا ان لم يكن الحل فهو البداية الصحيحة للحل ، ان
لم يكن اليوم فغدا . و كذا العمل على سائر مختلف المؤشرات (التجريدية) و ليست
(التجريبية) الاخرى . العمل على خلق او اختلاق لغة حوارية حديثة بين الكتاب (
المجمد حتى الساعة) و يعتبره المنهاج الجديد كعنصر ايقاظ و ليس انقاذ بالمعنى
العميق للكلمة ، و كذا اعادة الاعتبار في كتيب الوثيقة التربوية ، المرفق دليل
الاستاذ !.
دليل الاستاذ بحث يقدمه الاستاذ الباحث ، و ليست حلولا جاهزة لاجابات جاهزة
!.
شبيهة تماما بتلك خطب الجمعة الجاهزة ، التي كانت تصدرها وزارة الشؤون
الدينية لائمة المساجد ، ابان السبعينيات
و حتى بداية الثمانينيات !.
لا تسمح باجتهاد و لا تحرر الطاقات المبدعة من على المنابر !
خلق لغة حوارية كفيلة بجعل الاتصال و حبل الود ممكنا بين المادة نفسها و
التلميذ على اساس في كل عصر هو محور
العملية التعلمية التعليمية. لغة اتصال بين ما يمكن ادراكه و ما لا يمكن ادراكه ،
على كافة نقاط احداثيات المحاور الثلاث : التراتيب ، الفواصل ، و الفضائي : (ox ,oy ، oZ) .
صحيح صارت للسواد الاعظم من تلاميذة و طلاب مدارس العالم " عقدة
" حتى لاولئك الثانويات و الجامعات المتخصصة بعلم الرياضيات.
هي عقدة كاداء حلها لا يتطلب معجزة
يونانية ثاتية ، لحل او فك طلسم لغز المدينة اثينا " الهولة " / او
" ابي الهول " او / " السفانكس" !.
ذاك الاشكال الدرامي المثلث القائم الاضلاع بين : ( الهولة ، اوديب ملكا ،
و الانسان) !.
صحيح لقد تمكن اوديب ملكا من حل اللغز و خلص الساكنة من عذابات السؤال ،
لكنه بالمقابل نسي ان يخلص نفسه من التبعات الاخلاقية و الاجتماعية.
يخطئ من يظن ان عقدة الرياضيات وخلاصها لا دخل لها بكل هذه الحواشي و
الاضافات التاريخية ، و ما قبل التاريخية ، و الشبيهة بالتاريخ. .
كلا بل لنا حاجة بكل هذه الدراسات و الابعاد النظرية لنلامس الحل ، و الا
سوف نظل عند كل دورة تاربخ نعيد ونكرر
انفسنا مرتين ؛ مرة في شكل ماساة و مرة في شكل مسخرة !. لتظل الرياضيات لغز اثينا ينتظر من يخلصنا منه
، و لما لم يجد التلميذ و الطلبة واوليائهم حلا مخلصا ، يلجاون الى تغيير الشعب او
الشطط و التسرب المدرسي كحل هروب (...) !.
الحل يكمن في انسنة المادة و تقريبها من المتلقي . اي العمل على تثقيف ،
تهذيب ، تنعيم المادة و كذا مرونة و ليونة اسلوب طرق تدريسها.
ان يصير استاذ مادة الرياضيات انسانا فنان مستقطبا لا منفرا ، له رؤيته
الخاصة ، و يمكن طلبته من التشجيع على البوح برؤاهم الخاصة لفظا و لحظا و اشارة ،
دون افراط و لا تفريط .
ان يتعامل مع مادة ابداعية ، يمكن من خلالها المتلقين من رؤية الاشكالات التي تطرح من جميع الجهات المحتملة
الممكنة !
كان يصبح مبدا الفنان العالمي بيكاسو في هذا المجال واضحا ؛ اذ يقول :
" حين يعوزني اللون الازرق استخدم اللون الاحمر " !
ففي تربية اللاوعي لتلميذ الرياضيات يصير اللون ، الشكل ، الاشارة ، الكتلة
، الحجم ، النسبة و التناسب ، التدوير ، الترجيع ، التكميل ، الاس و التاسيس ،
التوفيق ، التجذير ، الاحتواء ، التقاطع ، الاتحاد ، التكافؤ.... كلها عوامل مساعدة
لحل الاشكالات الرياضية.
كان تكون لقوة الرمز - مهما تكن قيمة / Quelque soit la !valeur (x) !
بمعنى تجريديا ، تشبيها بالمعنى الادبي الفني الفكري في التيار او المذهب
او بالمدرسة السيريالية.
اين لا يفرق بدوره " ستالين " بين الفنان و الاستاذ ، فذاك مهندس
الروح و الاخر مهندس البناء و التعمير.
اين يصير المتلقي بدوره صانع رموز ، يمنحه طاقة ، قوة تداني و تضاهي القوة الروحية في " الكلمة " او (
اللوغوس)!
ولعل المطابقات في الفن تطابق التوافقات او المتطابقات الشهيرة في علم
الرياضيات / Correspondances على الحقيقة الروحية للعالم المادي و
بالتالي اضفائها على الحقيقة الروحية للرمز (x) !
حسب تعاليم "اركانا كونستينا" /
arcana coestestina
بمعنى ان يصير الطالب يرى بما لا يرى ، و بما لا يراه غيره في اختصاصات اخرى تجريبية او
نقلية انسانية .و يحس بما فوق المحسوس.
لا بد من فتح افاق و لغة اخرى لمنطق الرياضيات بجب ان يكف الكبار عن اسلوب
لعب اليافعين و صغار المراهقين ، ( اللعب) بالقريصات و الخشيبات ، لقد تجاوز مرحلة
الحلم في اليقظة و النوم و التجاوز الى مرحلة الفكر و الفعل اين يصير اللعب مع
الرموز و الاشارات و مختلف التيمات الاخرى العالمية ، متصالحين معها ، متفهنين ،
دون ان يكونوا معاديين لا ية فكرة حضارية سلفا.
كل هذه النقاط و تلك ، تجعل من الرياضيات كل شيئ ؛ و كل شيئ لا شيئ . اذ لا ينبغي ان تضع التربية
بيضها كله في قفة واحدة ، و ترهن مصير اجيال
و مدرسة في احادية واحدة موحدة ، على وزن حزب واحد ، زراعة واحدة ، صناعة
واحدة ، ثقافة واحدة ( قي يوم واحدو في مكان واحد يتم فعل واحد لشخص واحد ) !.
انما استاذ الرياضيات الحديثة ، هو من لا يجعل مادته حبيسة ، و سجينة دماغه
او ادمغة تلاميذته ، بل هو من يحررها طليقة في فضاء الكون ، و يجعلها تسري ليست في
اذهان تلاميذته و انما في اذهان المجتمع كله ، وفق تلك الفكرة التي تغير وجه
المحيط ؛ بل تغير وجه العالم.