الادب اللائكي ( العلماني) و الالحاد
العقيد بن دحو
دعنا نقر اولا
؛ يمتاز كل ادب، كل فن ، و كل فكر او ثقافة بالظاهرة الاجتماعية. بمعنى لايمكن فصل
القيم الانسانية ( ادب...فن..ثقافة...) عما يجري و يحدث في المجتمع.
وبالتالي لما
العجب ، و ما الغرو ان اتجه الادب...الى العلمانية ( اللائكية) ، بل ان اتجه الى
الالحاد !.
و اذا كان في
حوار الحضارة الديمقراطية نهجا و سبيلا لا يمكن فصل الدين عن الدولة ، بل لا يمكن
فصل الادب عن الدين ، و عليه لا يمكن فصل الادب عن الدولة.
الغريب
العجيب ، الهائل ، المذهل ، المدهش ان كل ادب جيد هو ذو نشاة دينية بالمقام الاول(
سوزا).
الشعر سحر
صوفي مقترن بالصلاة ( جلبرت).
انا لا اصلي
كما تصلي المخلوقات جميعا انا اصلي على البيانو (جولدن شتاين).
جميع الفنون
في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى الصلاة (روجييه غارودي).
كل نص جيد او
فن خلاب او تصور فكري فلسفي بديع يحقق قربى ثقافية او ما يسمى ( مصلى ادبي). تتجلى
فيه عظمة الخالق ، الله الحي القيوم الخالق البديع... فاين اللائكية اذن و اين
الالحاد !؟
اذا كان الابداع اصلا و فصلا هو،" لعبة
الله" !؟
لعبة عميقة
الجذور القصد جراها اعادة التوازن ما بين الانسان و المحيط.
تطرح
اشكاليات و تاويلات قضايا الادب و الفن و الفكر العلماني اللائكي او الالحادي منه
الى اشكالية قضية او جدلية اللغة و الدين سياسيا ثقافيا اقتصاديا و اجتماعيا و في
اشياء اخرى.
اللغة و
الدين امران اساسيان للمجتمع و للسياسة. شانهما شان العرق . فتنظيم الدولة ( فصل
الدبن عن الدولة ، فصل الادب عن الدين ، فصل الادب عن الدولة ، او حتى الدين دين
الدولة او الادب ادب الدولة) الناجح يفترض وجود مجتمع سياسي و جماعة او قربى
ثقافية انتلجونسيا. و لكن السياسة سلسلة
من النضال حول المعتقدات و القيم. التي تشكل الحضارة. و في السياسة يسعى الناس الى
استقطاب ولاء الاخرين العاطفي و الفكري . اي كل شيئ اساسي يوحد البشر، ويسهل اتفاقهم. و يساعد على زيادة
اذراكهم . بعضهم الى البعض الاخر . و من
جهة اخرى كل ما يفرق البشر جماعات
اجتماعية بعضهم ايضا في معسكرات منفصلة.
فالمشاركة في
اللغة تساعد على تبادل الاتصال ، كما يتشكل اساسا التعاون في الحكم . كما يساعد
الانتماء الى ديانة واحدة على الربط بين
الناس . كما يمكن الاتحاد في مذهب واحد على الربط بين الناس . و يمكن الاتحاد ، في
مذهب ديني مشترك ان يعزز عرى و
شائج عواطف الجماعات و الوعي الجمعي
كل هذا يتم حين يذوب الاستغلال السياسي في
الاستغلال الديني ، و حين يذوب الاستغلال الديني في الاستغلال الفني و الادبي
الفكري الثقافي.
وحين كف رجل
الادب ... عن مجاراة التاريخ صار الادب سلطة (Mana)
, اصبج الاديب سلطة و اقترب من رجل الدولة ، رجل المال و الاعمال ، من رجل الدين.
فاين
العلمانية و اين الالحاد في الفن و الادب و الثقافة ؟
لذا ترى
(رامبو) عندما عجز عن تفسير لائكيته علمانيته قال قولته الشهيرة : " الى رجال
الدين تعالوا لتروا سقوطي
الى
السيرياليين تعالوا اتروا احلامي
الى جميع
الناس لا اعرف ماذا اقول " !.
لكن بين هذا
و ذاك هل شهدت ، هل عرفت الاغريق فنا و ادبا و فلسفة علمانية ما او الحادا ما !؟
تلكم هي
المشكلة !؟ بقدر ما تعلق الشعب بالفنون و الاداب و الافكار ، بقدر ما تدخلت الدولة الاغريقية ، و سنت و سطرت و شرعت
قي ( لاكروبول) قوانين فنية نزولا عند رغبة الشعب ، بل خصصت لها اعيادا دنيوية
دينية كعيد دنسيويس ، اين تقام هذه الافراح و المسرات ، التي تقام خصيصا قربانا
لهذا الاله او ذاك الاله ، البطل او نصف الاله .
حتى اذا ما
تعلق الشعب بشيئ صلر قانونا.
وصوت الشعب
من صوت الاله.
Veix
populary ex veix dei.
لكن سرعان ما
قامت ثورة ، و لا سيما منذ ان كفت الفلسفة عن مجاراة الشبيه بالتاربخ السفسطائي ،
وعملت على (مؤارخة) الاسطورة و احالة الاسطورة الى تاريخ. بدات اصوات مخالفة تشير
الى فصل الدين عن الدولة ، فصل الاله عن القضاء و القدر ، بل اكثر من هذا تشير الى
الالحاد تلميحا و ليس تصريحا ، و تغير الشعار الكلاسيكي النمطي الى ان الاله من
الالة / Dei
ex machina
بطبيعة الحال
يشير النقاد الى انها ضربة قوية لاول مرة توحه لاله العربدة و للشعر و سائر الفنون
( ابولو).
بل اصبحت
بفضل ما شعروا به الشعراء و الفنانين من هامش الحرية الممنوحة لهم ، ان يضمنوا بعض
اشعارهم الدرامية ببعض افكارهم و قيمهم الفلسفية ، التي تدعوا الانفصال عن (
التطهير) و (التكفير) / Catharsis الطفولي.
الدعوة
الصريحة لقتل كبير القبيلة ، قتل الجد ، قتل الاب. اي الدعوة الصريحة الى التناوب
عن السلطة الادبية و الفنية و الانفصال عن هذا الاله الذي يغضب تحت اقل الاسباب ،
و يكرم و يعاقب من يشاء بحجة التكفير او التطهير.
قد نلمس هذا
بشكل مباشر في اشعار " فربنكيوس " Phrinickius
: ميزة هذا الشعر الدرامي تختلف كليا عن جيله و عن من سبقه ، قلل اهمية اناشيد
الكورس او الجوقة التي كانت تمجد و تقدس الالهة. انه اول من اخرج المسرحيات من
دائرة الاله ديونسيوس . كما يعتبر اول من ادخل العنصر النسوي على خشبة المسرح. و
لعل تجسيده لمسرحية ( مليوس) . مدينة مليوس سنة ( - 494 ق.م) تعتبر الفارق و
الفيصل لما قدم من قبل. سقوط مدينة مليوس امام الفرس الذين سماهم الاغريق
بالبرابرة / او كما كان يسميهم ( بالبيسيستراس ) Picisstrasse
. يوم عرضت على الشعب ( الاثيني) ضجت الجماهير بالبكاء ، كان يسمع نحيبهم و عويلهم
الى مسافات بعيدة ، مما اضطرت الحكومة بالتدخل ووقف العرض ، و فرضت على الشعب
الناحب ضريبة مالية قدرها 1000 دراخمة ، كما نوفي شاعرها الجميل مرهف الحس الى
ايطاليا.
هذه المسرحية
بقدر ما تعكس من عواطف تعابير لغوية
بمانية ، الا ان النقاد يشيرون اليها كقيمة جمالية فكرية اول معالجة ادبية بعيدة
عن الدين في مجرى الزمن - حتى لا اقول في مجرى التاريخ - اول نص لائكي ، علماني
جميل له وفعه على القلوبالصادمة .الموضوع دون
تدخل اله الحب اورفيوس او فينوس او ايروس Erus
.
الموضوع
حادثة اعتداء دولة على دولة اخرى ، لاول مرة تعرض مسرحية بعيدة عن الالهة او انصاف
الالهة او الابطال.
بينما تلقى
" يوربيدس " ما تلقاه زميله
فرينكيوس . حين لاول مرة جعل الوان الفلسفة تدخل بالمسرح التراجيدي . على يد
يوربيدس صديق " سقراط"
الفيلسوف. و من الغريب ان سقراط كان يكره المسرح ، غير ان قال : انا على استعداد اسافر لايطاليا لاشاهد احدى
مسرحيات
يوربيدس .
لما تتضمنه من افكار و تصورات فلسفية.
لم يكن عداؤه
موجها بشكل مباشرة الى الدين او الالهة ، و انما كان بشكل غير مباشر. مجددا و
مصلحا لا يؤمن بتلك الخرافات التي تبعث ميتا في شكل طائر او حجر او شجر. هو القائل
عن الموت : على المرء ان يسعى الى الموت الذي يدركه. بمعنى لا توجد حياة اخرى بعد
الموت تحت الارض ، و لا يوجد شيئ يسمى (
هديز) مملكة الاموات ، و لا اله الاموات يسمى ( هادس)!
كان يوربيدس
يحاول دائما ان يسفه واتخد من الالهة في مسرحية من مسرحياته حتى قيل انه قال :
" اي زيوس - ان كان هناك شيئ يسمى زيوس - لا اعرف عنه شيئ الا ما يقوله عنه
الناس " !.
معنى هذا ان
يوربيدس وجه ضربة قوية لكبير الالهة ، سيد النظام ، من انتصر و بز و هزم الهة الشر
تيتانوس و اقتلع جذورهم من على الارض (
جيا) Ghea.
هو القائل
ايضا : " ان الالهة الذين يصفونهم الناس بالحكمة و الرشاد ليسوا الا مثل
الاحلام الذهبية ، و حياتهم لا تختلف عن حياة الادميين كلها فوضى و اخطاء "
!.
من خلال جهره
بنكرانه لما تقدمه الالهة للبشرية ، و من لا جدوى من الدين . قدم الى المحكمة و
اتهم بالالحاد و نشره رفقة اصدقاءه من الشعراء و الفلاسفة. و هكذا...بدوره نوفي
الشاعر الجميل الى ايطاليا.
لقد قال فيه
الشاعر الالماني " جوته" :
" ان يوربيدس " اكبر شاعر انجبته الانسانية ، علمنا الدين عن
طربق الالحاد ، وعلمنا ان الائكية الحقة
ان ينفصل الادب و الفن عن اناسه اولا ، الذين بجعلون منه افيون جديد. بل اقوى مخدر
تعرفه الانسانية.
ولعل ملهاة
" الضفادع " واحدة مما تصب في هذا الاتجاه ، كلها سخرية و همز و غمز و
لمز في حق الالهة ، تلك الالهة التي تلجا اليها الاموات تحت الارض.
كلف الاله
ديونسيوس ليسافر الى العالم الاخر ، ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث ( اسخيلوس -
صوفوكليس - يوريوبيدس فلم يجد قد بقي منهم احدا ، ذاك ان الماساة اليونانية انتهت
بموت الشعراء الثلاث.
اعتبر هذا
النص الدرامي من احسن النصوص في النقد الادبي التي توجه الى الدين و الالهة على حد
سواء.
الفضل كل
الفضل ليس للاشياء و انما لطبيعة الاشياء ، فاذا كانت قطعة صفيح تتحول فجاة الى
مزمار يبث الحانا جميلة بديعة ، فالفضل ليس لقطعة الصفيح هذه التي تحولت الى مزمار
، و انما الى الانسان.
فالفضل ليست
لهذه الالهة او تلك شبه الالهة او الابطال ، و انما الانسان الذي صنعها و ابدعها
للضرورة السيكولوجية الاجتماعية.
كون امتاز
الادب بما امتاز به الاله.
ولكن عندما
احطوا و انزلوا بعض من الشعراء هذه الالهة من ابراجها العاجية. صار الادب
يقرر مصيره بنفسه ؛ قضاء و قدر ذاته يشكل
اسطورة عنصره.
هذه الاسباب
و تلك التي دفعت (اديسون) الى نشر مرسوم ساخر يحرم على الشاعر المعاصر تن يتوسل
بذكر اي اله او الهة . ان على القصيدة ان تحمل كل الوان الصدق ، فينبغي للادباء ان
يتجنبوا باطل الوثنية و ان يتذكروا ان لا
شيئ ابعث على الضحك و السخرية من التوسل او الاستشهاد بما عند الناس من جوبترات و
لا الجونوات.
في الاخير
مهما اجتهد الاديب او الفنان لتكون روايته ادبا لائكيا علمانيا او حتى ملحدا ، و
مهما اجتهد الرسام او النحاث لتكون الوانه و مقاسات حجوم منحوثاته كذلك. الا ابت.
كون ساعة ما يكتب الكاتب ، يغترب الكتاب عن كاتبه. و ان كان جيدا اخاذا ، يشد
انتباه الجمهور و اعجابهم به ، لما يكنه من مكنونات داخلية جمالية لغوية و صور
بديعة فلسفية فهو في اساسه واسه يحقق - شئنا ام ابينا - اهم علاقة في الادب و الفن
و الثقافة و في سائر القيم الاخرى ، الدين و اللغة طرفان و قيمتان انسانيتان في
قضية واحدة ، دبن و دنيا فاين العلمانية اللائكية ، بل اين الالحاد في الفن و
الادب و الثقافة اذا ما كان الابداع ( لعبة الله) !؟.