جمالية التكرار في قصيدة "جبل الزاوية الأشم" للشاعر محمد جعفر الشردوب "
بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام
أولا القصيدة:
حقدٌ على الجبلِ
الأشمِّ مبينُ
ما صائبٌ مَن قال عنهُ
دفينُ
بينَ الضلوعِ اكتظَّ في
أعدائهِ
وعليهِ قد تلتِ السنينَ
سنينُ
هيهات يخفى طودُ حقدٍ
أسودٍ
بينَ الجوانحِ والضلوعِ
يَرينُ
جيشُ اللعينِ قد
استباحَ رجالَهُ
ونساءَهُ ، جيشُ
اللعينِ لعينُ
أفعالُهُ حتى نتنياهو
لها
أفعالُهُ لم تهوِ أو
رابينُ
**
نزفتْ قرى الجبلِ
الأشمِّ جميعُها
ذي سرجةٌ كَلمى وذي
إبلينُ
تليينَهُ يبغي اللعينُ
ببطشِهِ
والجندلُ الزاويُّ ليس
يلينُ
مهما بروحاني استعان
ومدَّهُ
حَسُنٌ وقام بدعمِهِ
بوتينُ
عِرنينُ هذا الطودِ
مرتفعٌ فهل
منهُ لدانٍ يركعُ
العرنينُ ؟
وجبينُهُ طالَ الجبالَ
جميعَها
أَ ينُخُّ للوديانِ
منهُ جبينُ ؟
من ظنَّهُ للمجرمينَ
سينحني
بالرغمِ عنهُ فإنهُ
مسكينُ
**
بشارُ عربدْ ما استطعتَ
فإنّ ذا
يعني بأن الحَيْنَ منكَ
يحينُ
كلُّ الشياطينِ استعنتَ
بها ولم
ينفعكَ منها يا أفينُ
معينُ
هذا يشيرُ إلى سقوطِكَ
إنما
لم تكتشفْ هذا فأنتَ
أفينُ
مِن نحرِكَ السكينُ
يدنو دائماً
ولسوف يبلغُ نحرَكَ
السكينُ
ويقالُ شعبُ الشامِ
ليسَ يخيفُهُ
غولٌ ولا عنقاءُ أو
تنّينُ
فارحلْ فما الجبلُ
الأشمُّ براحلٍ
إذ كيف يرحلُ راسخٌ
ومتينُ ؟
هذا الذي تدعو الطغاةَ
لمحوِهِ
حصنٌ مِن الطغَمِ الطغاةِ
حصينُ
باقٍ بقاءَ التينِ
والزيتونِ ، فالْ
زيتونُ في قرآنِنا و
التِّينُ
ثاتيا: الدراسة
للتكرار الدور المهم في إبراز مشاعر المبدع و
تأكيدها و تعميق دلالاتها و إضفاء الموسيقى الداخلية على الأثر الأدبي التي تعين
الموسيقى الخارجية في وظيفتها المقصودة و قد توكأ الشعراء منذ العصر الجاهلي على
جمالية التكرار و لا زالت إلى يومنا هذا من الوسائل التي يجسدها الشاعر في
إبداعاته لما لديها من عظيم أثر و كثير فائدة و قد اهتم النقاد قديما و حديثا بهده
الجمالية فقديما يري الزَّمخشري أنَّ
"جدوى التأكيد أنَّك إذا كررت فقد قررت المؤكد وما عَلَقَ به في نفس السامع
ومكنته في قلبه وأمطت شبهة ربما خالجته أو
توهمت غفلة أو ذهاباً عمَّا أنت بصدده فأزلته" و حديثا يقول
"ريتشارد" "أن التكرار له
أهمية بالغة ، خاصة إذا ما قرن بالإيقاع والوزن ، لأنه عبارة عن لمََْسَة سحرية
تبعث الحياة في الشعر ".
للتكرار أنواع كثيرة من أهمها:
التكرار التام: و هو
تكرار اللفظة نفسها بنفس المعنى و هو ما
نجده بكثرة في قصيدة " جبل الزاوية الأشم" للشاعر" محمد جعفر
الشردوب" و سيتم وضعه بين قوسين لإحصائه و تحديده و بيان أثره حيث نجد هذا
النوع من "التكرار التام"
مجسدا في هذه القصيدة
التي تعبر عن آلام شعب يعاني من سطوة الجيش حيث استباح هذا الحيش دماءه التي نزفت
على قرى الجبل مبديا استياءه و حزنه على زمن يقتل العربي فيه أخاه العربي مستعينا
بقوات أجنبية و قد عبر عن هذه الوقائع الدموية التي استباح فيها الجيش الرجال و
النساء بتكرار جملة "جيش اللعين" مرة في الصدر و مرة أخرى في العجز و
هذا التكرار يدل على استياء الشاعر
المتكرر و على قلقه مرة من "مكلِّف
الجيش أو قائده " و "مرة من الجيش نفسه":
(جيشُ اللعينِ) قد
استباحَ رجالَهُ
ونساءَهُ ، (جيشُ
اللعينِ) لعينُ
و في البيت الخامس يكرر
الشاعر كلمة "أفعاله" في الصدر مرة و في العجز أخرى ليدل هذا التكرار
الجمعي على أن الأفعال الشنيعة تكررت حيث كانت كلمة "أفعاله" جمعا فلم
يكن هذا الفعل مرة واحدة أو مرتين و تكرر هذا الجمع في الصدر و العجز.
(أفعالُهُ )حتى نتنياهو
لها
(أفعالُهُ )لم
تهوِ أو رابينُ
و نجد الشاعر "
محمد جعفر الشردوب" في البيت السادس يكرر اسم الإشارة " ذي" بنفس
لفظه و معناه في العجز حيث استعمل اسم الإشارة للتنبيه على الأماكن المتضررة فلم
يكن الضرر في منطقة واحدة :
نزفتْ قرى الجبلِ
الأشمِّ جميعُها
(ذي )سرجةٌ
كَلمى و(ذي )إبلينُ
و أيضا كرر الشاعر كلمة
"السكين" في البيت " الخامس عشر"
مهددا الظالم بصفة خاصة
و كل ظالم على الأرض أن السكين سيدنو من نحره و يقتلع رأسه فكما تدين يدان و لكل
امرئ من فعله نصيب:
مِن نحرِكَ (السكينُ)
يدنو دائماً
ولسوف يبلغُ
نحرَكَ (السكينُ)
كما نجد أيضا تكرار الشاعر للفظة " طغاة
" في البيت الثامن عشر مؤكدا أنه رغم هذا الطغيان سيبقى الجبل الأشم أشما
حصينا شامخا رغم كل شيء:
هذا الذي تدعو
(الطغاةَ) لمحوِهِ
حصنٌ مِن الطغَمِ(
الطغاةِ) حصينُ
و في البيت الأخير يستعمل الشاعر كلمة
" التين" مرة في الصدر و في العجز مرة و كلمة "الزيتون " كذلك
دلالة على أصالة هذه المنطقة و أنها ستبقى كما بقي التين و الزيتون في القرآن
الكريم و لن يمح " التين و الزيتون"
من القرآن إلا في آخر أيام الدنيا فهذه المنطقة باقية إلى هذا اليوم:
باقٍ بقاءَ (التينِ)
و(الزيتونِ) ، فالْ
(زيتونُ) في
قرآنِنا و (التِّينُ)
التكرار الإشتقاقي: هو
تكرار عنصر من العناصر بشكل مختلف و هو استعمال مغاير للجذر اللغوي و مما يلاحظ في
قصيدة "جبل الزاوية الأشم" أنها حفلت بهذا النوع من التكرار إذا نجده في
الأبيات التالية:
في البيت الثاني في
قوله:
بينَ الضلوعِ اكتظَّ في
أعدائهِ
وعليهِ قد
تلتِ (السنينَ )(سنينُ)
دالا على عراقة هذا
الحصن فهذا الجبل له جذوره تمتد في أعماق السنين السابقة
و في البيت الرابع :
جيشُ اللعينِ قد
استباحَ رجالَهُ
ونساءَهُ ، جيشُ(
اللعينِ)( لعينُ)
مؤكدا أن اللعنة لا تصاحب قائد الجيش فقط و إنما
الجيش ذاته و أن هذه الصفة المتكررة لا تجسد صوت الشاعر فقط و إنما صوت الإنسانية
التي تأبى الظلم و الطغيان.
و نجد في البيت السابع
قول الشاعر :
(تليينَهُ) يبغي
اللعينُ ببطشِهِ
والجندلُ
الزاويُّ ليس( يلينُ)
مستعملا التكرار الإشتقاقي في (تليين، يلين)
مؤكدا على أن رغبة تليين الجبل ليست متحققة و أن هذا من غير الممكن اطلاقا.
و في البيت التاسع:
(عِرنينُ) هذا الطودِ
مرتفعٌ فهل
منهُ
لدانٍ يركعُ (العرنينُ) ؟
نجد الشاعر استعمل التكرار مرة في الصدر و
أخرى في العجز (عرنين، العرنين) مجسدا عدم ركوع أهل منطقة الجبل و مدى كفاحهم و
عدم استسلامهم مهما كان الثمن باهضا.
و في البيت العاشر :
و(جبينُهُ) طالَ
الجبالَ جميعَها
أَ ينُخُّ
للوديانِ منهُ( جبينُ) ؟
يعيد الشاعر كلمة "جبين" في صدر
البيت مرة و أخرى في عجزه : (جبينه، جبين) و الجبين يدل على الكرامة و العزة و
الشموخ الذي لا ينحني و لا يهتز.
و في البيت الثاني عشر
بشارُ عربدْ ما استطعتَ
فإنّ ذا
يعني بأن
(الحَيْنَ )منكَ (يحينُ)
يعيد الشاعر كلمة الحين ؛ (الحين، يحين)
دالا دلالة زمانية أن لكل شيء أوانه و مذكرا أن لكن نفس ساعتها التي تفارق فيها
هذه الحياة لكي لا يغتر أحد أو يطغى.
و في البيت السابع عشر
يؤكد الشاعر في قوله:
ف(ارحلْ )فما الجبلُ
الأشمُّ (براحلٍ)
إذ كيف يرحلُ راسخٌ ومتينُ ؟
بتكراره الاشتقاقي
(ارحل ، براحل) أن الرحيل سيكون مِن مَن يريد بالجبل الأشم ضرا و ليس للجبل الأشم
رحيل
في البيت الذي يليه ؛
هذا الذي تدعو الطغاةَ
لمحوِهِ
(حصنٌ) مِن الطغَمِ
الطغاةِ (حصينُ)
يكرر الشاعر كلمتين؛
(حصن، حصين) : دلالة على قوة الجبل التي تستعصي على من أراد به شرا.
دل هذا التكرار في قصيدة" جبل الزاوية
الأشم" على عمق شعور الشاعر الدال
على ( الرفض، القوة، النضال، القدرة ، اللوم ، التحدي) و قد أراد الشاعر أن ينقل
للمتلقي شعوره فاستعمل التكرار كوسيلة لأداء هذه المهمة مما نتج عنه تأثر المتلقي
وانفعاله بالتجربة الشعرية الصادقة للشاعر و رفض كل أشكال الظلم و الطغيان.
و يعد التكرار بشتى أنواعه من جماليات النص و
يدل على قدرة الشاعر على اللعب بعناصر اللغة التي تمثل النسيج اللغوي كيفما شاء
مما تؤكد على عبقرية لغوية فذة في سبك الكلام و جودته.
بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام