حامد حبيب
مقارنة بين شوقى وحافظ ٢"
-----------------------------
★شوقى يعترف :
" كنتُ شاعرَ الأمير قبل أن أكون أمير
الشُّعراء"
--------------------------------------------------
أجرَت جريدة "الأهرام" لقاءًا صحفياً مع(شوقى)
فى عدد
ةالجمعة ( ٢٩ أبريل١٩٢٧م) _ يوم تتويجه
لإمارة الشعر _ قام به أشهر محرّرى
الأهرام(محمود
أبو الفتوح) ..وفى اللقاء اعترف شوقى ب"
أنّه كان
فى مستهلّ حياته "شاعرَ الأمير" ،
وأنّ أول ماقرضه
من شعر كان مديحاً فى الخديو( توفيق) ،
الأمرالذى
لفت نظر" ولىّ النعَم" حتى كان يسأل
عنّى دائماً إلى
أن تفضّل وعيّننى بالسراى".
* لقد أتت إمارةُ الشعر منقادة لشوقى ، ليس
لإبداعه
وحده، وإنما كنتاج لقصائده الطوال فى حب الوطن،
وقربه
من الخديو توفيق وعباس
ثم جملة المؤسسات الثقافية
التى احتضنته ،
وكان أهمها جريدة " الأهرام" ، والتى
جاء بعددها الصادر فى
(٩ مايو ١٩٢٦م) على لسان كاتب المقال " أن
الأهرام
صاحبةُ الفضل فى إضفاء اللقب على شوقى أفندى
قبل
نحو ربع قرن
، وأنها سعت
طوال الوقت لترويجه ، فأقرّه
الشعراءُ ذاتهم ومن ورائهم الجمهور
* اقترن (حافظ) فى سماء الشعر بنجم أمير الشعراء
ولكنه لم يلقَ إنصافاً فى زمانه ، وهو المنافس
العتيد
لشوقى ...فمن
المعروف أن كلا الشاعرين قد أحيا
الشعر
العربى وردّ إليه
بعض نشاطه ،
وكان كلا الرجُليَن يعرف قدرَ نفسه وقدر أخيه .
* امتلك ( حافظ) الملكة الفكاهية ، فكتب (شوقى)
قصص الأطفال والمسرحيات الشعرية ، وكان أول
من كتبها.
* تمتّع حافظ بالحِس الشعبى ، وتغنّى عبد الوهاب
بأغانى شوقى التى يكتبها بالعامية.
* لم يُجِد شوقى إلقاء شعره، بينما لم يكن هناك
أبرع
من
حافظ فى إلقاء الشعر ، حتى أصبحت
أشعار
شوقى _ لعجزه عن إلقائها_ مادة خصبة لهواة
الإلقاء
مثل الفنان ( عبد الوارث عسر) وحتى الآن.
* وُلِد حافظ على متن سفينة فى النيل ، بينما
عاش
شوقى على ضفافه، فى منزل تحوَّل متحف يحتوى
يحتوى أوراقه وتمثاله.
* عمل حافظ كثيراً من أجل مصر ، بينما مصر
تُكرّم
شوقى
بكل أنواع التكريم
على اختلاف العصور.
* لقد
بلغ اليأس من حافظ حدّ الاستسلام لشوقى
جهراً ، معترفاً له بالإمارة، حتى أصبح
يوم مبايعة
شوقى ،
هو المتحدث باسم
شعراء العرب وهو يخطو
وتجاه شوقى حيث
يجلس فى مقصورته
مردّداً بين يديه قصيدة " المبايعة"
التى يقول فى مستهلّها :
بلابل وادى النيل بالشرق اسجعى
بشعر
أمير الدولتين ورجّعى
.....إلى أن وصل للبيت المدوّى :
أميرَ
القوافى قد أتيتُ
مبايعاً
وهذى وفودُ الشرقِ قد بايعت معى
* فلم
يكن حافظ ذلك الثرى السخىّ كثير
العطاء ، بل إن شوقى هو الذى
كانت له أيادٍ بيضاء كثيرة على حافظ،إذ كان شوقى يصِلُه ويعطف عليه فى
ضوائقه
المالية ، وأنه
سعى _ بعد رفض الأهرام تعيينه
محرراً لديها _ وخاطب
القصر فى شأنه، فجعل القصر له راتباً يُصرَف له حتى نهاية حياته ،
لذلك
لان لسانُ حافظ مع القصر ومع شوقى
نفسه،
واعترف له بإمارته . وقد درج حافظ -نتيجة ماسبق
- على
سياسة اللين وكسب ودّ شوقى ، حتى
لاتكاد
تخلو
مدائحه ولاتعازيه السلطانية أو الملكية تخلو
من إشادة بشوقى ، ليأمن غدر شوقى ويضمن رضاه
لأن رضاه من رضا القصر ، ولعلّه أراد_أيضاً_أن
يؤكد
للناس
والتاريخ أنّ إمارة شوقى سندها هذا
القصر.
ورغم
دوام ذكر حافظ
لشوقى فى شعره ، إلا أن شوقى لم
يذكر حافظاً فى
شعره إلا مرّةً واحدة عندما رثاه
فى عام ١٩٣٢م.
* كان
حافظ يملأ المجالس بهجةً ويستأثر بأسماع
الحاضرين بنُكته اللاذعة وبديهته الحاضرة وحديثه
الحلو ،
على حين كان شوقى خامل المجلس، كأنه
عيّى (عاجز)اللسان.
* ولخّص المقارنة بينهما (طه حسين) فى مقدّمة
كتابه" حافظ وشوقى" حيث يقول:"
وصل شوقى فى شيخوخته إلى ماوصل إليه حافظ
فى شبابه
لأنّ
شوقى سكت حين كان حافظ ينطق ، ونطق
حين اضطُّرً حافظ إلى الصمت ..."
* وفى نفس الكتاب ل(طه حسين)..يروى أنه كان
عائداً مع الاستاذ /أحمد لطفى السيد ، بعد حضور اجتماع
لتخليد ذكرى حافظ
قبل موت شوقى، فيقول : " وكنا نتحدث
فى أمر الشاعرَين ، فقال لطفى بك
عن حافظ : " فمازال يجدّ ويكدح حتى
أرغم الشعر على أن يُذعن له وأصبح شاعراً، وكنتُ
شديدَ
الإعجاب بشعر شوقى، أقرؤه فى لذّةٍ تكادُ تُشبه الفتنة
وأُثنى عليه كلما لقيتُه ، فما زال شوقى
بكسل
ويُقصّر فى تعهُّد
شعرِه حتى ساء ظنّى بشعره الأخير ".
** لقد كان لقاءُ شوقى المحظوظ
بحافظ البائس
الفقير لقاء القمة مع القاع ، ورغم الاعتراف الكامل
بالعبقريتين ، فإنّ شوقى ظلّ فى
القمة ، وحافظ
فى القاع ، ورغم أسلوب حياتهما المتناقض ،
الأول:
فى
ترَف ، والثانى : فى بؤسٍ
مستمر ، ومع ذلك استمرّت صداقتهما وأثمرت كنوزاً من الشعر.
* فى الختام...لقدة أدّى كلاهما
دوراً عظيماً للشعر العربى _ برغم ماذكرناه_ وأنّ ماذُكِر
كان من التاريخ
الأدبى
الذى ربّما يجهله
البعض ، ولكشف
بعض الحقائق التى لرُبّما تفيد فى التحليل النقدى ، فهناك
جوانب هامة ينبغى على الناقد الاستناد إليها .
*
أما بخصوص ماذكرنا
فى المنشور السابق عن تعالى وارستقراطية
شوقى ، وموقفه من الشاعر
(محمود أبو الوفا) ، فإنّه مامِن إنسانٍ
يتمتّع بمزايا
الكمال ، فمن الشعراء مَن كان نرجسياً ، ومنهم
من
كان بخيلاً ، ومنهم من كانت علاقاته ثريّة بالمجموع
من الأدباء
والشعراء والنقاد فضمن
لنفسه التأييد
والتصفيق والإعجاب ، ومنهم من يبغض
مَن ينطق
بالحق نقداً تجاه أعماله ، ومنهم من يتعالى ،
ومنهم..
تلك طبيعتنا البشرية ، كم من مثالب، وكم من
نقصان
يعترينا ، لكن يبقى الفيصل
فى ذلك جودة الإبداع
ذاته ، ولجمهور
القُرّاء المتذوّق الرأى الأخير ،
برغم
كل شئ ، فقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم
شعراً
لِمَن لم يسلم وأشاد به ، وقُبح وجه رسّام رسم
صورةً
جميلة ، لا يمنع من الإشادة بما رسمه ، نحن
نشترى صوراً
بديعة ، لأنها أعجبتنا ،
ولانبحث عن أخلاق مبدعيها ، ولا عن أشكالهم .
* رحم
الله شوقى وحافظ ، كم أسعدانا ، وأضافا
إلى الشعر العربى مالا يُمكن إنكاره.
_________________
حامد حبيب _ مصر