سيميائية وَمْضِيَّةِ الصورة في البنية الدلالية النصية دراسة تحليلية في شعر المبدعة اللبنانية مها شاغوري الدويهي ـ
باسم عبد الكريم العراقي
( سيميائية وَمْضِيَّةِ الصورة في البنية الدلالية النصية )
ـ دراسة تحليلية في شعر المبدعة اللبنانية مها شاغوري الدويهي ـ
للشاعرة مها مزيةُ النظم باللهجة اللبنانية
العامية و اللغة العربية الفصحيىة، بذات التمكن والابداع ، واهم البنى الدلالية في
اسلوبيتها النصية في ذالكما السياقين الخطابيين هي ( تكثيفية الصورة ) ، التي
اتخذتها كمرسلة نصية ، متينة النسق ،مولدة للافكار ، لثرائها بالإحالات الداخلية (
القَبْلية / البَعْدية ) ، وتنوع رموزها الاشاراتية ، مما يؤدي الى تعميق الدلالة
النصية ، و تعددية طبقات معناه الكلي ، ومقابله تعددية طبقات القراءة ، وكثافة الصورة
بهذه البنية الدلالية ، وانزياحيتها اللغوية الكبيرة ، واختزاليتها المركباتية (
الدالية / المدلولية ) الى مالايزيد عن معناها ، المتحقق في جملةٍ / بعض جملة
واحدةٍ ، او سطرٍ / بعض سطر وحيد ، بأقل عدد من الكلمات ، واكبر قدرة على الإدهاش
، يجعلها أقرب مايكون لمفهوم الومضة الشعرية ،اضافة لمسوغين آخرَين :
الاول ـ ان مفهوم ( التكثيف ) في رسم الصورة ،
يعادل مفهوم ( الاقتصاد اللغوي ) في كتابة الومضة .
الثاني ـ ان البنيتين الدلاليتين لكلتيهما (
الصورة / الومضة ) ، جدُّ متقاربتين في خصائصهما وعناصرهما ( شيفرتهما ) اللغوية ،
وغائيتهما القصدية الخطابية
إلا أن أصالة الترابط العضوي بين هذه الصورة وجسد
النص ، يحيل ( دلالاتها ) من سياقها النصي الخاص ، الى السياق النصي العام ،
لتشارك في تكوين معناه النهائي ، لذا احللتُ مفردة ( ومضية ) بدلاً من ( تكثيفية )
في عبارة ( تكثيفية الصورة ) ، لتصبح ( ومضية الصورة ) ، اشارةً الى ان الصورة ،
قاربت (الومضة ) بنيةً و دلالةً ، دون استقلاليةٍ نصيةٍ ، وهذه المقاربة ( الصورية
الومضية ) ، ستمثل مرجعية تأويلية ، تساعد على اختزال مراحل تفكيك بنية هذه الصور
، والتعرف على جذور مركباتها الدلالية ، وتحليل اشاراتها ورسائلها ، بشكل اكثر
حيادية ، وصولاً لتحديد معناها الحقيقي ،
وستكون قراءتي وفق هذه التراتيبية : نص عامي ، نص
فصيح ، لتأكيد ان سيميائية تلك الومضية الصورية ، لاتتأثر بنيتها الدلالية ،
بتبادلية خطابها النصي لسانياً بين ( لغة / كلام ) .
تقول الشاعرة في احد نصوصها العامية :
( تشرين .. وجك عطر ) / وجك : اي وجهك
لوجدنا انها ذات سيميائية تواصلية متعددة الدلالات
،يمكن تفكيكها الى مكوناتها البنائية فنجد انها : اشارة دلالية لزمن محدد ( تشرين
) ، غيرمتموضع مكانياً + اشارة غير دلالية لملموس مادي ( وجك ) فلا وجهاً للزمن
لسانياً ( دال ـ مدلول ) + اشارة لمحسوس غير مرئي (عطر ) متضاد الدلالات ( فقد
يكون طبيعياً تضوعه الزهور، او صناعياً ، وهنا ستكون دلالته مشروطة ، بتحديد نوعه
، صناعته ،قوة تركيزه وثمنه ..الخ ) وهذا يجعلنا نتعرف انها شديدة الاختزال ( تنوع
وتعدد الدلالات بدوال ثلاثة فقط ) ، تعتمد في مرسلتها الخطالبة ، آلية التعارض بين
( الملموس / المحسوس ) ، و التقابل بين ( الدلالي / اللادلالي ) بين اشاراتها ،
واذا ما اردنا قهم قصدية هذه الصورة فعلينا ان نعيد بناءها من جديد ، بعد تحليل
وتأويل مكوناتها تلك وكما يلي : بغية موضعة تلك الدلالة الزمانية ( تشرين )
مكانياً ، علينا بدراسة ما حوليات النص ،وتحديداً كاتبته ، فنجد انها ( لبنانية )
، وهذا ما يجعنا نموضع هذا الشهر مكانياً في بلدها ، وبالرجوع للخارطة المناخية
للبنان في هذا الشهر نجد انه شهر الخضرة و بهاء المناظر الطبيعية ، التي تستهوي
الناس وتجذبهم اليها بندائها الخلاب وعيون يتابيعها الضاحكة ، وهنا نعثر على دلالة
ذلك الملموس المادي ( وجك ) ، فهو مكافيء معنوي لوجه الطبيعة الغناء المزهرة ،
وبالتالي فإنه سيكون مصدر ذلك العطر ، وبذا تحددت دلالته ، واصبحت الصورة واضحة
الخطاب ، مفهومة الاشارات ، بعد ان عرفنا سر شيفرة / التعارض والتقابل، وتحولهما
الى تطابق وتشاكل ، ان البنية الومضية لهذا المقطع حققت غايتين فنيتين ، الاولى :
تحقيق حالة ( الدهشة ) لدى القاريء ، التي ستدفعه للتعاطي مع النص بفاعلية كبيرة ،
والغاية الثانية : تعميق جذور الدلالات المولدة لافكار النص ، مما يعدد من طيقات
قراءاته كمقابل لتعددية طبقات دلالاته / معانيه .
و اذا واصلنا القراءة في ذات النص :
( واحلامها قنديل
بين الجفن وشعرها
شمعات من تراتيل
سكار عا تلة قصايدها )
نجد العديد من هذا الصور المكثفة / ومضية الصورة
مثل :
( أحلامها قنديل ) :
وعند الشروع بتفكيك بنية هذه ( الشيفرة الدلالية )
، نجد أن لهذه الاشارة ( احلام ) دلالات احتمالية لاواعية / لاشعورية متعددة ،
اعرض لبعضٍ منها مقارباتها الواعية / الشعورية ، والمقابل، كما يلي :
ــ دلالة تنفيسية عن توترات انفعالية مكبوتة
المقاربة : انكسارات نفسية / تداعيات ذاتوية
انهزامية
المُقابِل : ( هو ) قامع ، رادع ( اعراف ـ تقاليد
جمعية )
ــ دلالة اشباعية لرغبة حياتية ممنوعة ، غريزة
محرمة
المقاربة 🙁 انا
) استسلامية ، ارتيابية قلقة .
المقابل : قامع مؤسساتي سلطوي ( وضعي / غيبي )
وهناك العديد من الدلالات الاخرى لكنها لاتخرج عن
السياقات المعجمية النفسية ، السوسيولوجية و الايديولوجية المؤسساتية المهيمنة على
الانساق الفكرية الجمعية .
اما القراءة التاويلية التحليلية المحيطة بكل تلك
الكثرة الدلالية لتلك الاشارة ( احلامها ) فهي :
في وعي ( الانا ) الباطني المحظور الافصاح عنه في
الواقع ، هناك مُتمَنيات حية ملموسة رغبوياً ، بدلالة تجسُّدها على شكل صور منظورة
، مسموعة ، في مخيلة متمنّيها ، متمنيات لايمكن نحققها واقعياً ( الواقع كمكافيء
للصحو ة التي تمثل عتمة تحول ( بمعنى تخفي ) دون تجسيده بشكل ملموس ، بحَجبهِ وراء
ساتر لايخترقه البصر ( وهذا معادل الظلام ) ، وبما أن كلَّ صورة لايمكن رؤيتها الا
بوجود المنعَكَسِ الضوئي عنها ، الذي بدوره ألغى وجودَ أيِّ مضدر ( طبيعي / صناعي
) باعثٍ له ، لذا فان الرؤية حصلت لأن ألاشارة ( احلامها ) ، هي من حلَّت محل ذاك
المصدر الباعث للضوء المسبب للإبصار ، فكانها( قناديل ) تنير المُتمَنى ليراه
المُتمَني جلياً مجسداً .
هنا الومضية الصورية , ولدتْ إشارةً دالية واحدةً
، بنيتها الاختزالية المركبة من مفردتين ( احلامها قنديل )، لكنها متعددة من حيث طبقاتٍ
معانيها ، المؤطرة بالدهشة المُتَوَلدة من هذا التعارض الخادع بين اشارتيها ، وهذه
الطبقات المعنوية ، ستولد بالمقابل ( في ذهن القاريء ) مفهوم ( طبقات القراءة ) ،
وهكذا يمكن تفكيك باقي مرسلات هذا النص وغيره من
النصوص العامية اللسان ، واعادة تجميع مركبات البُني الاشاراتية ، بتأويلية قرائية
مرجعيتها مفهوم ( الومضة الشعرية )
ومن هذه المرسلات :
( شمعات من تراتيل ) / من ذات النص اعلاه
و الكثير غيرها مما تزغر بها نصوصها العامية كنصها
هذا المنتقى عشوائياً :
ش هينة عليّ
مع خوابي العمر
تختفي عصافير ضيعتنا
ومش هيني ابكي
عا نايات الفجر / مرسلة ( صوتية / زمانية ) متعددة
الطبقات المعنوية
مواويل جارحة من صدا جنينتنا
هاشلي انا
ماسكي قراص الجمر / مرسلة مركبة المحسوسات
الاسقاطية نفسياً / تعددية معنوية
وردة زرعها البكي / مرسلة دهشوية تقابلية غنية
الاشارات
عا سطوح حبايبنا
شو جابك بعد ما الوجع غفي
تخلع شبابيك الخمر / مرسلة تقابلية غير مطروقة
وتنشر قصايدنا
يا حيفتين عليك
قلي وينن شفايف هالفجر / مرسلة تشييئية متعددة
المدلولات لدالة احادية الاشارة
وينو الخصر ل كان يهز
عا مشاوير عتمتنا / مرسلة مركبة من ( تعددية دالية
/ تعددية مدلولية )
ولَو روح اختفي من خيال قلبي
واياك بعد ما تختفي تبعت خبر
وسنجد ذات الومضيات الصورية ، كمرسلات متعددة
القصد ، حين نفكك سيميائية نصوصها المكتوبة باللغة الفصيحة ، كنصها ( لعله قادم )
ادناه ، الذي اخترته عشوائياً ايضاً ، وسأمر على عجالة على بعض ومضياته لكونها
لاتبعد في مقاصدها عما اسلفته :
( لعله قادم )
رحل ظله
وخفقة عيوني
عادت الى اوجارها..
حزينة...وحيدة الا من وحدتها
بلا ضحكات..
بلا حفيف قبلات../ مرسلة مولدة للاشارات / تعددية
معنوية / قرائية
بلا نشوة..
عادت تقول..لعله قادم
من اين ابدأ
وبقاياي معه زيتون يابس / مرسلة مركبة الاشارة /
توظيفية ذاكراتية اسقاطية
وذكريات على دفتر
من اين ابدأ
وانا اشتهي ضمة
تهطل ريش سعادة / مرسلة صورية تقابلية استبطانية(
تفسير الشعور بالشعور )
قبل ان تقتلني الظنون
لعله قادم ....
فالصفصاف يصفر لي قبل الرياح / مرسلة ايحائية
نبرية الصوت ( التوظيف السماعي المعنوي )
يكفن انتظاري وسري
يدغدغ ازهاري الصفراء
وانا ابكي عطرا.. / مرسلة ظاهراتية (
فينومينولوجية )
ينتظر صحوته
دقت الساعة
وخيمة المساء شح نورها
تخدر صوتي
فمن يسمع حبيبي قصيدة
عبثا احاول
فغبار الريح في شفتيّ صامت / مرسلة متعددة
الاشارات تقابلية
لعله غير قادم .
واود التأكيد اخيراً ان الشاعرة مها وظفت ومضياتها
الصورية لتحقيق مفهوم ( تعدد طبقات المعنى ) لنصوصها الذي بؤدي بدوره الى ( تعدد
طبقات القراءة ) ، مما يجعل نصوصها اشعائية الاشارات ، متجددة المقاصد ، بما يمكن
ان نطلق عليها ( النصوص المولِّدة للمعاني ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/
باسم عبد الكريم الفضلي ـ العراق