الناس لا تراهن على باطل او على فراغ
العقيد بن دحو
يروى ان شخصا عاديا اشترى حصانا ، و طيلة الايام التي اشتراه فيه ، لم يهدأ
الحصان ، يركض ، يرفس. يكاد يطير... و لم
يستقر على وضع ، يكاد يجر صاحبه كلما شد رصنه ، و اقترب منه.
وفي يوم من الايام اقترب من الحصان فارسا ، حذقا في بعضهما مطولا ، تفرصا
ملامحهما، و ابان كل واحد يتعرف على صاحبه
وكانها معرفة قديمة. ثم قال لصاحب الحصان : اتسمح لي بشوط على حصانك ؟ وساعة ما
اقترب منه الفارس حتى استقر و كانه صار في حالة اخرى. اطمان ، وانطلق الفارس به كالسهم حتى
تجاوز الانظار.... ، ثم ما هي الا دقائق
حتى لاح لناظره كالبرق الخاطف وهو قريب .
ترجل الفارس من على صهوة الحصان ثم قال لصاحب الحصان بلهجة شعبية فيها
الكثير من الحكم و العبر : " الخيل تعرف ركابها ما هوش اللي جابها
" !.
هذه القصة الشعبية تنطبق على ان الناس معادن ، تعرف بالسليقة بعضها بعضا ؛
بل بسذاجة البداية تعرف على من تراهن من فرسانها.
على الفرسان الخلاقين للثروة ، للابداع ، للخلق، للجمال ، للفن.
قد يخطئ الفرد ، لكن عين الجماعة لا يمكن لها أن تخطئ..وكما الفرد في حاجة إلى جماعة الجماعة احيانا تحتاج إلى الفرد
، الفرد الناجح ، الطموح.
فليست وحدها المدرسة من تعد الرجال
- ولد تعلمه اليوم رجلا تنقذه غدا -
و لا المذاهب الأدبية الفنية و الفكرية و الثقافية ، ولا المطالعات لامهات
الكتب، و لا الحفظ غيبا. إنما الاخلاق اولا.
انما الامم الأخلاق ما بقيت *** فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا . او كما قال الشاعر.
ثانيا : المجتمع هم من يصنعون الشخص الفرد الحر ، البطل ، الكفء ، النزيه ،
المخلص لوطنه.
راي الجماعة لا تشقى البلاد بهم *** رغم الخلافة وراي الفرد يشقيها. او كما
قال الشاعر.
فالمجتمع او كما نسميه ( الجمهور) هم من يدفعون بالمبدع قدما إلى
الأمام....، إلى النجومية ، إلى القمة ، إلى العلا . تراهم يذكرونه في كل ناد و في
كل مكرمة ، الغائب الحاضر ، و اذا ما حضر يوسعون له بالمجلس، و يشيرون اليه
بالبنان.
ورغم احيانا انه لا يعرف هذا الجمهور ، إلا أن علماء الاجتماع يشيرون إلى
انه من الاحسن على هذا المبدع الفنان المفكر المثقف لا يعرف بأن وراءه جمهورا
ما.... ، حتى لا يغتر ، و حتى لا تعود هذه المعرفة عليه ، عكسية ، ارتدادية مشكلة
و معيقة لتقدمه الخلاق.
يقول الباحث السوسيولوجي في علم الأدب: " انا اعرف جمهوري لذا انا
اكتب ".
ان الناس او الجمهور لم تعد تراهن على باطل او على فراغ ، انما تعرف حصانها
الأصيل من الحصان الدخيل ، تعرف الحصان البربري من الحصان الخرافي ، السنطور ، جسد
حصان وراس انسان.
بمعنى ان الناس تعرف فارسها الفارس من الكومبارس.
فالناس معادن ، منه الذهب ، و منه الفضة، و منه النحاس، و منه
الحديد...ومنه الخشب...ومنه البلاستيك !.
كم هو محظوظ هذا المبدع الخلاق من احتضنه الناس. فهم بالنسبة اليه الزاد
المعين و الطاقة الميسرة المسيرة التي تحمله على الاكتاف دون أن ترفعه، و بالتالي
إذا ما وفقه الله ووصل ايضا الجمهور و الناس تصل معه ، و بكون اثرهم واضحا في
سلوكه العام و الخاص.
اذن لم يعد الجمهور سلبيا متفرجا على الاحداث ، وإنما صار صانعا للاحداث و
للاشخاص ، و صانعا لبيئته الفوقية البشرية المبدعة.
الناس لا تراهن على الفراغ ، إذا ما وجدت العين البصيرة و الحواس السليمة و
البيئة الحاضنة التي تهز الخلق من ديباجته.
الخيل الأصيلة العربية و الفارس الأصيل للجمهور الأصيل، للمجتمع أصيل لدولة
أصيلة.
اذا ما منحت الناس فرصة معانقة
الحرية و المساواة و العدالة لبناء حضارة ديموقراطية راشدة حتما ستؤدي إلى الحكم
الصالح.
لقد قيلت الاغريق القدامى : اذا
تعلق الشعب بشيئ صار قانونا.
وصوت الشعب من صوت الاله.
لا تذهبوا بعيدا عن البحث عن كوادركم ومواهبكم ، وعن اطركم اليوم و غدا .
فإن أعين الخلائق لا تكذب ابدا و لا تقول السنتهم الا حقا ، حتى ان امسكوا عن
الكلام لبعض الوقت.
وعندما الشعب يلتقي بابنه الذي هو يعرفه خير المعرفة بالاسواق بالساحات العمومية ، بعيدا عن الرسميات يحتضنه بالاحضان فليدرك الملاحظ ان الشعب ربح
الرهان على فارسه وفرصه الأصيل.