طقسي في فن الكتاية
العقيد بن دحو
لا اقول اني
افكر ، ولا بما تفكر ؟ انما القول الصحيح
: اني اكون موضعا للتفكير.
تعتبر
الكتابة من ارقى انواع الفنون ، و بالمقابل
من اصعبها ، كونها متعلقة بذات المبدع السيكولوجية السوسيولوجية
الانثربولوجية.
رغم اتها اا
توفر لصاحبها رغد العيش او الثراء الفاحش كما عي قي بعض الفنون الاخرى ، انما تنزل
بصاحبها موضع الحسد ، و يمون معرضا لا نواع المخاطر و كافة المحاذير.
لذا بالغالب
ما يطلب الاولياء عالميا من المدرسة ان يكونوا ابناءهم مبدعين في هذه الدروب
الوعرة على خطورتها. ذاك ان الكتابة استشرافية في طبيعنها ، نكتب من ذاكرة
المستقبل حتى ان كانت احداثها اليوم او تاريخية.
الاولياء
احسن العارفين بمستقبل ابناءهم ، و اكن لت يطلبون هذا في شكل مباشر.
فهو الوسيلة
و الغاية. الكاتب و القارئ و الناقد و المبدع معا في ان واحد.
فالكتابة
الجادة الواعية الوازنة ( حالة) وجدانية شعورية فردانية بقدر ما يهم المجتمع.
فانا عندما
اؤدي واجباتي الدينية فجرا و صبحا ، اعيد ثانية الوضوء ، و اتجه الى صلاة اخرى ،... من نوع اخر..... اين
تكون صلتي بيني و بين عالم الكتابة الساحر
الاسر ، اين تاخذني السكينة و ادخل في غياهب عوالم متداخلة و دوائر اين
تتعطل كافة حواسي ، و انفصل كلية عن هذا العالم. و عن سكانه و ساكنته و ادخل في
حوار من نوع اخر مع جمهور اخر لبعض الوقت و لن اعود الى عالمي الطبيعي الا بعد ان
نضع نقطة نهاية. تمة فقط نشرع قي مراجعة ما كتبت ، و تصحيح ما يمكن تصحيحه لغويا
ومطبعيا. واشعر بان ما كتبت يحقق نوعا ما مما يطلق عليه ( بالعدالة الشعرية). اين
الكتابة لا تحقق الغرض الميكانوغرافي الحرفي للكلمة ، و لا ترتيب الحروف و الكلمات
، و لا المعاني تزين الكلمات ، و لا كلماتها زائنات المعاني.
وانما اشعر
ان كتاباتي تحقق الهدف الاسمى النبيل الذي كان في البدء ، الانساني و انسنة
الانسان اولا.
اشعر كتاباتي
، سواء
كانت مقالة او شعرا او قصة او مسرحية او رواية
تحاور قلب القارئ اولا ، و جدانه ، وشائج عواطفه قبل عقله.
ولان الكاتب
عموما يكتب ما خسر عبر الزمان و المكان ، كون طبيعة الكتابة تدل على الخسارة اكثر
منها على الكسب ، فالكاتب "الغرامشي" العضوي في مجتمعه ادرى بما خسر هذا
المجتمع. و بالتالي كتاباتي انا ادرى بشعابها قبل اي شخص اخر. سواء كان قارئا
عاديا او قارئا متخصصا او ناقدا او رقيبا ما يتابعني باستمرار ، او من الذي ينتظر
هفوة من هفواتي ، و زلة من زلاتي ، و عترة من عترات لساني ليؤجج علي الدنيا و لن
يقعدها......!
اعلم ان طقس
الكتابة سلاح ذو حدين ، و من اخطر انواع الفنون ، فهي سريعة التوجه و التوهج
كالشعلة ، فاحيانا اريد بها حوارا غير مباشر مع مسؤول ما (...) فكل نوجهاتي ، و كل
كلماتي ، و كل جملي القصيرة و الطويلة و اسلوبي ، و كل تركيزي العقلي و النقلي
تكون موجهة صوب هذا الشخص.
كون تراسل
الحواس و تداعي الخواطر و ما يسمى بالصدق الفني يكون السبيل الضامن للوصول بشكل
جيد و كاف من المرسل الى المرسل اليه.
الكتابة طقس
روحي كالصلاة ، بل هي الصلاة ، الايمان
بوحدة الخالق قي هذا الخلق الحسن البديع. و حتى ان كانت الكتابة علمانية لا دين
لها ، عندما تحقق تلك المصائر المشتركة ، و تلك التوازنات الكونية بين الانسان و
اخيه الانسان تصبح دينا من لا دين له.
الكتابة سحر صوفي مقترن بالصلاة كما تقول (
سوزا)
او كما قالت
(جولدن شتاين) : انا لا اصلي كما تصلي المخلوقات انا اصلي على البيانو.
او كما قال
النستشرق روجيه غارودي جميع الفنون في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى
الصلاة.
و سواء كانت
( الكتابة) شعرا بالكلمات او رسما بالالوان او نحثا بالحجوم ؛ نسبة و تناسب او وفق
الانطباعات المعاشة او وقائع الشعور فالصلاة واحدة.
اين ادرت
وجهك تمة وجه الله .
كما ان الابداع يسمى ( لعبة الله) فاين الهروب
من الله يا علماني الفن و الادب و الثقافة...!؟
اذا كان الفن
اجمالا عن الاغريق قام على انقاض معبد الاله ( ابولو) اله العربدة و الشعر.
عندما افرغ
من عبادتي ، و من صلاتيي ، صلاة رب العباد و صلاتي في الكتابة ، اقوم الى صلاة
اخرى اجتماعية. نتجول في المدينة بالاسواق ، اسلم على الناس و الناس تسلم علي ،
احاور الناس و الناس تحاورني. انتهز الفرصة كيما القي القبض على اللحظات المسحورة. حتى اذا ما عدت بيتي الى وقت متاخر ، جعلتها و حولتها لحظا و لفظا و اشارة تسري في ادمغة الناس اسئلة
تنتظر اجوبة و اجوبة تنتطر من يطرح السؤال مجددا . نجاحي الاكبر حين التقي بهؤلاء
الذين يشبهونني كثيرا بالاسواق ،بالمحلات ، بالشوارع ، بالمرافق العامة ،
بالمناسبات الدينية و الدتيوية ، الافراح
و الاقراح . يسالونني عن معنى هذه الكلمة... ، و عن تلك الجملة... او ذاك المقال!.
ساعة كم تكون
فرحتي كبيرة عندما ادرك ان مجهوداتي في البحث لم نذهب سدى ، و ان ما كتبت متجليا
في محيا الناس. اصبحت واحدا منهم و هم مني ، و ان دمي و عرقي و احتراقي لم يذهب
هدر جزافا
كم اشعر بان
هذا الجمهور الجميل الرائع هو من كتب و لست انا . انا مجرد قارئ بسيط صنعني هذا
العملاق الغالب الاعم الشامل.
اعود الى
بيتي محملا بقفف الثعب ، لكنه ثعب راحة ، باكياس الشقاء و التعاسة لكنها بنكهة امل
السعادة و الحب و الوفاء . حينما يهب لك
الرحمان الرحيم رحماء من يقف معك في معركتك الكتابية السلاح ذو حدين ، من مختلف
الشرائح الاجتماعية ، من العلية و من الطبقة المتوسطة و من الفقراء ، من الطلبة ،
من العقلاء و حتى من المجانين. فالكاتب الحق ( كالجوكير) الورقة الرابحة المحتملة
، و الناس لا تراهن على فراغ ، و النجاح يجر النجاج كما تقول الحكمة.
و نجاح كاتب
في المجموعة هو نجاج جمهور باكمله ، بل نجاح وطن و امة ونجاح شعب باكمله.