حرفة الأدب والفقر :
********************
هما أمران ،، كأنهما متلازمان منذ بعيد
،،ولذا يقال عن سوء حال ومآل من يمتهن حرفة الأدب بلا مورد مادى آخر : ( أدركته حرفة الأدب ) ،،،
ولنا من الشواهد التاريخية المتعددة ما يؤكد على هذا ،،
بل إننا نقرأ لبعضهم التصريح بالشكوى من جراء ذلك ،،
فها هو الشاعر الأديب المصري الكبير عبد الحميد الديب ـــ فى العصر الحديث ( ت 1362 هـ = 1943م ) رحمه الله ـــ تسمى بـ"وريث الصعاليك" ،
و لُقّب حيًا وميتًا بشاعرِ البؤس ،، إذ كشرت له الدنيا عن أنيابها ، ونهشته بمخالبها ، بعد أن داسته بأقدامها ،،،،
وصف الخلل الاجتماعي الذي أصاب مصر في أيامه ،، فقال :
بكم يبــاعُ غبـاء النــاس فـي بلـدٍ *** لا نافعــي فيــــه علمـــي ولا أدبــــي
القابضــون علي أســبابِ نعمتــه *** من آكلي العرضِ أو من أكلي الذهبِ
سلوا موالية الأفكارِ أي هدي في *** الليــــل أي ندي فــي النـــارِ واللهــبِ
بمصــر كــل غني ســـاكن فلكـا *** والعبقـــري بها سكنـــاه مـن حطـــبِ
من لي بيــوم ضريــح استجمُّ به *** في يقظةِ النصرِ أو في صرعةِ الغلبِ
فإذا رجعنا إلى الوراء ، نبحث فى صفحات
التاريخ عن شبيه لعبد الحميد الديب، ممن عاندتهم الدنيا ، وصارمتهم بقسوة ، فصرحوا
بالشكوى ، مع علوّ مقامهم أدبًا وعلمًا وثقافة ،،،
نقرأ عن أديب ، ناقد ، لغوي ، شاعر، من أعلام المائة الرابعة للهجرة ،
إنه الحسن بن عبد الله ، أبو هلال العسكري ، ( توفي بعد 395هـ = 1004م ) ، رحمه الله ،
خلّف للمكتبة العربية طائفةً من الكتب القيمة ، تناولت فروعاً مختلفة من المعرفة والثقافة ، فى اللغة والأدب والتاريخ والحديث والتفسير، ولم يصل إلينا إلا بعضها ، من مثل :
نقرأ عن أديب ، ناقد ، لغوي ، شاعر، من أعلام المائة الرابعة للهجرة ،
إنه الحسن بن عبد الله ، أبو هلال العسكري ، ( توفي بعد 395هـ = 1004م ) ، رحمه الله ،
خلّف للمكتبة العربية طائفةً من الكتب القيمة ، تناولت فروعاً مختلفة من المعرفة والثقافة ، فى اللغة والأدب والتاريخ والحديث والتفسير، ولم يصل إلينا إلا بعضها ، من مثل :
[ كتاب الصناعتين ] ، أى الكتابة والشعر ،
وأيضا كتاب [ التلخيص في معرفة أسماء
الأشياء ] ، وهو معجمٌ ثرى في المعاني والصفات ، جعله في أربعين باباً ،وأيضا كتاب [ الأوائل ] جعله في عشرة أبواب ،
وله أيضا كتاب بعنوان [ ديوان المعاني ] جمع فيه أبو هلال كما قال :
(أبلغ ما جاء في كل فن ، وأبدع ما روي في
كل نوع من أعلام المعاني وأعيانها…) وجعله فى اثني عشر باباً ،
هذا فضلا عن ديوان شعر له .قيل إنه كان يزاول تجارة الثياب ، مع سعيه الدءوب فى طلب وتحصيل العلم ،
وقد صرح بالشكوى من فقرِه ، وسوءِ حاله ، وإحساسِه بالمرارة ، فقال:
جُلوسيَ في سُوقٍ أبيعُ وأشتري*** دليلٌ
على أنّ الأنـامَ قـرودُ
ولا خيــرَ في قومٍ تذلّ كِـرامهم ***
ويَعظمُ فِيهم نَذْلُهم ويَسودُ
ويهجـوهم عني رثاثـة كسـوتي *** هجاءً
قبيحاً ما عَليه مَزيدُ
وفى معرض آخر قال :بُليــتُ بهجـرانٍ وفقـرٍ وفاقــةٍ *** وكَثــرةِ حَاجــاتٍ وثِقْلِ ديـــــونِ
وأعظمُها أن الزمانَ يَسومُني *** وقوفاً على أبـوابِ من هـو دُوني
وكان أبو هلال العسكري يشعر فى قرارة نفسه بالأسى ، إذ أن اشتغاله بالعلم قد حرمه الغنى ، بل وكان سببا مباشرا للفقر والعوز والحاجة ، ، فصرح بذلك وقال :
فأين انتفاعي بالأصَالةِ والحجَى *** وما
ربحتْ كفي من العلمِ والحِكَمْ
ومن ذا الذي في الناسِ يُبصرُ حالتـــى
فلا يلعن القِرطاسَ والحِبرَ والقلمْ
إلا أنه كان يعزى نفسه بقوله :تالله لم تُخطئك أسبابُ الغِنى *** إلا لأنكَ عاقلٌ وأديبُ
وها هو أبو حيان التوحيدي ( ت 414 هـ =
1023 م ) رحمه الله ، صاحب الكتب المتنوعة من مثل :
[ الامتاع والمؤانسة ] و [ الهوامل
والشوامل ] و [ المقابسات ] و [ الإشارات الإلهية ] و [ الصداقة والصديق ] وغيرها
،،
يشكو قسوة الزمان وسوء حاله فيقول :
الى متى التأدم بالخبز والزيتون *** قد
والله بُحّ الحَلقُ وتغيّر الخَلق
بل إنه ذهب إلى أبعد من هذا ،إذ كتب رسالة بليغة مؤثرة إلى عالم الرياضيات الفلكي الموسوعي أبي الوفاء البوزجاني رحمة الله عليه ،،، قال فيها :
" خلصني أيها الرجل من التكفف
، وأنقذني من لبس الفقر ، وأطلقني من قيد الضر, اشترني بالإحسان ، اعتبدني بالشكر
، استعمل لساني بفنون المدح ، اكفني مؤونة الغداء والعشاء "
وأضاف :
" الله الله في أمري ، اجبرني
فإني مكسور , اسقني فإني صدّ ، أغثني فإني ملهوف ، شهرني فإني غفل , حلني فإنني
عاطل ، قد أذلني السفر من بلد إلى بلد ، وخذلني الوقوف على باب باب ، ونكرني
العارف ، وتباعد عني القريب مني "
ولعل أقسى ما نقرأ من سوء النهاية
للمؤلفات والمصنفات أن يحرقها صاحبها بيده ،ذلك أن أبا حيان التوحيدى فعل ذلك ، بعد أن فشل فى أن يجد من يصغي إلى توسلاته ،،،
أحرق الرجل كتبه التي تزيد على عشرين كتابا ، وقال حينئذ :
" إني جمعت أكثرها للناس ولطلب
المثالة منهم، ولعقد الرياسة بينهم، ولمد الجاه عندهم، فحرمتُ ذلك كله " .
يقال إن الكاتب فى الغرب ، إذا صنّف
كتابا ، فإنه يعيش على ريع ذلك المصنّف ، وربما أتاح له ذلك الوضع المادى المريح
أن يؤلف ويصنّف المزيد من المؤلفات والمصنّفات ، فيزداد ثراء وسعة فى الدخل ،،،،،
أما فى بلادنا ، فالمشاهد فى غالب
الأحوال أن الكاتب ــــ إن لم يكن له مورد مادى من جهة أخرى ــــ يموت فقيرا معدما
، وقد خلف من ورائه تركة وميراثا من المخطوطات ، غذاء هنيئا مريئا للحشرات
والفئران ، والعناكب والديدان ،،،
ذلك باعتبار أنها فازت بالسكنى فى بيت ،،،،،،،،،،،،،،،، أدركت صاحبه حرفة الأدب .
فتأمل .
ذلك باعتبار أنها فازت بالسكنى فى بيت ،،،،،،،،،،،،،،،، أدركت صاحبه حرفة الأدب .
فتأمل .
صلاح جاد سلام
***********************
***********************