جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
محمد عبدالقادر التونيملتقى النقد الأدبي العالمينقد

أحلام موءودةقراءة في مجموعة ”بخفة عصفور ..وحزن يمامة" ” للأديب / كرم الصباغ بقلم / محمد عبدالقادر التوني

 

"أحلام موءودة"

قراءة في مجموعة ”بخفة عصفور ..وحزن يمامة" ” للأديب / كرم الصباغ_مصر




بقلم / محمد عبدالقادر التوني_مصر

¶| مؤتمر"ملتقى النقد الأدبي العالمي"

  _اليوم الأول(٢١ يناير ٢٠٢٣م)

ـ إذا نظرنا في المجموعة بداية من العنوان الرئيسي لها : ” بخفة عصفور .. وحزن يمامة ” ، ثم إلى الإهداء : ” إلى حبات التوت في أيام ، تضج بمرارتها ، إلى أبنائي : محمد ، ومريم ، ومعاذ ” ، إلى عنوان القسم الأول من المجموعة : ” ميلاد طازج لأحزان قديمة ” ، إلى عنوان أول قصة في القسم الأول  : ” موائد الجمر ” والتي سقطت من الفهرس ، إلى قصص أخرى كثيرة ؛ فإنها تدل على التشاؤم والحزن الدفين .

كما أن كل قسم جاء معبراً ودالاً على ما يحتويه من قصص ؛ حيث جاء عنوان القسم الأول : ” ميلاد طازج لأحزان قديمة ” ، معبراً عن أحزان الماضي ؛ حيث استرجعتها مخيلة الكاتب وكأنها الآن ،

أما عنوان القسم الثاني : ” مائل للدهشة ” ؛ فهو بالفعل مائل للدهشة حيث اكتشف القاص : أن الحاضر والماضي وجهان لأحزان واحدة ؛ حيث وجد في أحزان الحاضر صورة طبق الأصل من أحزان الماضي . 

وبذلك يكون العنوان الرئيسي للمجموعة : ” بخفة عصفور .. وحزن يمامة ” ، قد نجح في تحقيق الغرض منه إذ جمع بين شقي المجموعة .

ــــــــــــــــ وإذا نظرنا في هذا التقسيم ، بداية من العنوان الرئيسي ، إلي شقي المجموعة ، إلى التقطيع الذي بدا واضحاً في معظم القصص في الشقين على السواء ؛ فإننا نستشف : أن هذا الشكل المتقطع ؛ يشبهنا نحن البشر إلى حد كبير ، حيث يكون الجسد بلا روح ، أو روح بلا جسد ، أو جسد بتر أحد أطرافه … إلخ .

وهدف فني آخر في تقسيم القصص إلى مقاطع ؛ وهو : أن السرعة التي تميز بها السرد في المجموعة ، تحتاج إلى تقسيم القصة إلى مقاطع ؛ وذلك حتى يلتقط القارئ أنفاسه ، ثم يواصل من جديد .

وهدف ثان في تقسيم القصة إلى مقاطع : حيث يجلب الراحة النفسية للقارئ وهو يشق طريقه عبر هذه اللغة الفصيحة التي ربما لم يعتدها من قبل ؛ فيدعوه ذلك إلى الهدوء والقراءة على مهل .

ـ وإن كانت السرعة سمة أساسية في السرد عامة ؛ وفي هذه المجموعة بصفة خاصة ؛ إلا أنها كانت واضحة جلية في القسم الأول منها وهو : ” ميلاد طازج لأحزان قديمة ” ، وكأن الكاتب يلهث خلف الكلمات خشية أن تتفلت منه ، خاصة وأنه يستوحيها من الماضي البعيد ، أو كما أحب أن أسميه : سرد الهلع .

 ـ  أما القسم الثاني : ” مائل للدهشة ” ، فقد جاء السرد فيه مغايراً ومناسباً للواقع الذي يعيشه الكاتب ، حيث غلب على معظم قصصه الهدوء الذي يشبه هدوء البركان ؛ فجاء السرد متمشياً مع الحالة النفسية والمزاجية للكاتب ؛ ومعبراً عن ما أصابه من دهشة من تكرار الحدث وعدم جدوى التغيير ، وكأنه يعلن عن هزيمته ، ويقولها صريحة : أنني وصلت إلى آخِري ، ولذا بدا صوت السرد متهدجاً حزيناً .

الحاضر نسخ للماضي  :

محمد عبد القادر التوني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ ومثلما هو واضح من عنوان القسم الأول من المجموعة : ” ميلاد طازج لأحزان قديمة ” ؛ فإن جميع القصص التي وردت بهذا القسم ؛ هي قصص تراثية ، استوحاها الكاتب من التراث القديم ؛ تراث الآباء والأجداد .

ولذلك فقد جاءت محملة بموضوعات مشبعة بالألم مثل : فقدان الفقير لحلمه الوحيد ؛ مثل الأم التي استشهد ولدها الوحيد في قصة : ” موائد الجمر ” ، وكذلك الرجل الفراش الذي فقد ابنته الطبيبة في قصة ” بوار الرمان ” ، كما أنه يصور لنا العوز والحاجة التي تذبح الفقير عندما لا يجد نفقات علاج ابنه الصغير الذي يحتاج إلى نفقات كثيرة لإجراء جراحة عاجلة ؛ وذلك في قصة ” غيلان العتمة ” ، وكذلك حالة الطحان الماهر الذي استفاد منه صاحب الطاحون كثيراً ؛ وعندما بترت ذراعه أهمله ، مما اضطر الطحان إلى محاولة السرقة للإنفاق على أسرته ؛ لكنه يتراجع عن ذلك ؛ فيرزق الله أسرته , وذلك في قصة ” دخان ” ، ومقاول الأنفار الذي يتحرش بالفتيات في مقابل السماح لهن بالعمل … إلخ ، موضوعات كثيرة يصعب حصرها ؛ لكن الغريب : أن أحداث الماضي تتكرر وتعيد نفسها في الحاضر حيث القسم الثاني من المجموعة ” مائل للدهشة ” ؛ هذا القسم الذي بدأه القاص بالحلم بالمدينة الفاضلة في قصة ” خرائط لينة ” ، تلك القصة التي راقت لي كثيراً ؛ فهي عبارة عن تفريغ لكل ما سب في القسم الأول من عذابات الطفولة ، وتؤكد على أننا خُلقنا للشقاء ، وأن نحلم ، نحلم فقط . وما جاء بعدها من قصص يؤكد ذلك ، إذ جاءت بأحداث تفوق ما جاءت به قصص القسم الأول ، أو على الأقل تتعادل معها .

وهو ما سوف نحاول توضيحه في السطور التالية :

                                                                                                     وكأن الزمن يُعيد نفسه :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ ففي قصة ” موائد الجمر ” ، وهي أولى قصص القسم الأول من المجموعة ؛ والتي تصور انعكاس استشهاد ” يحيى ” على أمه التي تنتظره بفارغ الصبر ، وتنتظر أن تقر عينها بزفافه .

ـ وتقابلها في القسم الثاني من المجموعة قصة : ” من الوريد إلى الوريد ” ؛ وهي تصور أيضاً رصاصة الغدر التي فتكت بهذا الشاب الذي أنهى خدمته العسكرية ؛ ليحرمه من حبيبته التي تنتظر زفافهما ؛ ويحرمها منه .

ـ وقصة ” خيزران ” في القسم الأول ؛ والتي تصور الذكورية وانعدام الضمير الأخلاقي من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى تصور قسوة الاحتياج التي تجبر الفتاة على الخروج للعمل وتحمل تبعاته ومشقاته .

ـ وتقابلها في القسم الثاني من المجموعة ؛ قصة : ”  سعير الشمع ” ، والتي تصور أيضاً : الذكورية ؛ وانعدام الضمير الأخلاقي ؛ والفراغ الذهني بالنسبة للسائق ، في ملاحقته للفتاة المسكينة بائعة الشاي ؛ ومحاولاته في الوصول إليها وسلبها شرفها .

ـ وفي قصة ” دخان ” في القسم الأول ، والتي يصور فيها الرجل ” الطحان ” الذي كان فناناً في صنعته ؛ وكان سبباً في ثراء صاحب الطاحون الذي تخلى عنه بمجرد أن بُترت ذراعه ، مما اضطر هذا الطحان المسكين إلى العوز والحاجة لينفق على أسرته ؛ فهاجمته الهواجس التي تُلح عليه بخوض تجربة السرقة ، لكن ضميره كان يعذبه حتى أنه تمنى الموت : ” يشعر باليأس لدرجة تمنى معها أن يحمله طائر ضخم بين مخالبه ، ثم يفلته من أعلى نقطة ؛ فيخر صريعاً ، ولما كانت الطيور التي تحط على النجع ضئيلة ، لا يقوى أي منها على حمل رجل ، استسلم الطحان لهاجسه الكريه ، وقرر خوض التجربة ” ، لكن ينقذه الله من الوقوع في الحرام ، ويعود إلى بيته ليجد عندهم رزق وفير ؛ مما يؤكد على أن الله هو الرزاق ؛ وأن ما تتركه في الحرام ؛ يعوضك الله خيراً منه بالحلال .

ـ وتقابلها في القسم الثاني من المجموعة ؛ قصة : ” هزائم ”  والتي تصور الانعكاسات النفسية على الأسرة بصفة عامة ؛ ورب الأسرة بصفة خاصة ؛ نتيجة كثرة الاحتياجات في مقابل الدخل المحدود ، مما جعل رب الأسرة الذي وصفه الكاتب بالفنان يفكر في الانتحار بإلقاء نفسه في النيل حتى يموت غرقاً .

وفي ربط جميل بين النهر العذب ؛ رمز العطاء والحياة ، عندما يُلقى فيه بالنفايات ؛ فتسكنه الجنيات ويصبح مصدراً للموت بعد أن كان مصدراً للحياة . وتشبيه الإنسان بهذا النيل ؛ عندما يكون الإنسان صفحة صافية ؛ همها العطاء ؛ فتسكن ذهنه الهموم التي تفرضها الحاجة ؛ فتعكر صفوه ، ويصبح مصدراً للنكد الذي يجعله يفضل الموت على هذه الحياة القاسية المؤلمة ، وموت رب الأسرة بهذه الطريقة ؛ هو قتل للأسرة بأكملها . ولذلك جاءت نهاية القصة موفقة في إدراك الأبناء لوالدهم وانقاذه من فكرة الانتحار ؛ ليحتضنهم ويعود معهم إلى البيت .

والأمثلة التي تؤكد على أن أحداث الماضي تتكرر وتعيد نفسها في الحاضر كثيرة ومتعددة ويصعب حصرها في هذه السطور المعدودة ، لكن نكتفي بهذا القدر ونترك للقارئ شيئاً من لذة الاكتشاف .

نموذج الخير :

ـــــــــــــــــــــ

من بين الموضوعات الكثيرة التي اشتمل عليها القسم الأول من المجموعة والتي جاءت معبرة عن اليأس والإحباط الذي أصاب الكاتب ؛ لما فيها من ألم ومعاناة للبسطاء ؛ ولما فيها من قهر وظلم ؛ ولما فيها من سلوكيات سخيفة لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا ومخالفتها للأديان السماوية : مثل الظلم والخيانة والمكر والخداع … إلخ .

فقد جاء بمثل واحد للخير في قصة : ” نشيد الطير ” ، تلك القصة التي تحمل عنواناً مغايراً عن مجموع القصص الأخرى التي اشتمل عليها القسم الأول ؛ فهو عنوان ترتاح له النفس بمجرد قراءته ، كما أن القصة تصور الصالحين في شخص ” عبدالودود ” الذي كان له قدره عند الكاتب حتى أنه لم يقل ” عبدالودود ” ولكن قال : ” عمي عبدالودود ” !

” تدخل امرأة عمي ” عبدالودود ” الغرفة ؛ لتوقظه لصلاة العصر ؛ فترى رجالاً في ثياب بيضاء ، وعمائم خضراء ، تسمعهم يمدون الصوت بكلمة : هو ، وتشم عطراً فواحاً وبخوراً ، يملأ أرجاء الغرفة ، تدقق البصر المشدوه ؛ فتبصر كرسياً يغشاه النور ، يجلس عليه الزوج الحاني بأبهة أمير ” .

ـ فقصة ” نشيد الطير ” توظيف للتراث الصوفي : حيث تؤكد على أن الصلاح والوصول إلى الله يكمن في المعاملة الحسنة مع الناس ؛ ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم ؛ ومشاركتهم في الكد والتعب ، إلى جانب أداء الفرائض المكتوبة ؛ ” فخير الناس أنفعهم للناس ” ،

ـ كما أن فيها توظيف للتراث القرآني : في قوله تعالى : ” وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ” الآية 44 من سورة الإسراء .

ـــــــــــــــ

في القسم الثاني من المجموعة ، والذي يمثل حاضرنا ؛ لم نجد فيه شبيهاً لهذا النموذج : نموذج الخير : ” عمي عبدالودود ” .

 ـ إذن ” عمي عبدالودود ” : هو النقطة الفاصلة بين الماضي والحاضر ، وكأن الكاتب يريد أن يخبرنا بأن كل ما نعيشه من مشكلات اجتماعية وأسرية وأخلاقية وإقتصادية ؛ إنما يرجع مردوده إلى غياب القدوة ؛ وغياب الصالحين .

ـ الغلظة وعواقبها :

ــــــــــــــــــــــــــــ

في نهاية القسم الأول من المجموعة ؛ ضرب الكاتب مثلاً : للشدة ، والحزم ، والقدرة على حل المشكلات ،وذلك في قصة : ” طلاء قديم باهت ” ، في شخصية الحاج ” فوزي ” كبير القوم . إلا أنه يؤكد على أن الشدة ليس لها عُمر ؛ وأنها تنهار وتنتهي بمجرد سقوط الشخص الممثل لها ؛ فما إن وقع الحاج ” فوزي ” ؛ حتى انفض من حوله الجميع بما فيهم أبناؤه . وفي ذلك توظيف للتراث للتراث القرآني : ” ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ” سورة آل عمران ، الآية 159 .

ـ عشق اللغة وبعض السقطات الفنية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ مما لا شك فيه : أن المجموعة القصصية ؛ أثبتت لنا ؛ أن الكاتب عاشق للغة العربية ؛ ومتمكن منها ، وهذا واضح من لغته الفصيحة التي تتدفق في سهولة ويسر كتدفق الماء العذب الجاري ؛ علاوة على استدعاءه لبعض المفردات التي يجهلها غير المتخصص ، ولذلك : فإن الكاتب كان حريصاً على توضيح معانيها .

ـ لكن عشقه للغة ؛ أنساه ما تنطوي عليه اللغة العامية من أبعاد نفسية ، وبخاصة في الكتابة القصصية وما يأتي على لسان الشخصية .

فمثلاً : في قصة : ” رجف البارود ” جاء على لسان الخفير : ” هل من أحد هناك ؟ ” ؛ فهل هذه اللغة تتناسب مع خفير يصيح في الليل لإرهاب اللصوص ؟ ! بالطبع لا ؛ فالطبيعي والمعتاد أن تكون : ” مين هناك ” وبصوت جهوري .

ـ لكن إذا نظرنا إلى هذا اللفظ الفصيح الذي جاء على لسان الخفير ” هل من أحد هناك ” ؟ من زاوية أخرى ، ربما أشار إلينا إلى دلالة تؤكد مناسبة هذا اللفظ للخفير ؛ وأن الكاتب يقصد ذلك بالفعل ! فلربما كان الخفير مؤهلاً علمياً وفصيحاً ؛ فالبطالة تجبرك على قبول أي عمل حتى وإن كان غير مناسباً .. والدليل على ذلك : أن الخفير كان خائفاً ، وهذا ليس من طبع الخفراء .. وكأن الكاتب يريد أن يقول : الرجل المناسب ؛ ليس في المكان المناسب .

تحقير الشخصية :

ـــــــــــــــــــــــــــ  حيث بدا واضحاً في بعض مواضع من القصص ؛ سخرية الكاتب من الشخصية ؛ وتحقيره لها ، مثل : قوله في قصة ” رحى ” وهو يصف أبناء الخالة في نظرتهم لابنة خالتهم : ” وأن ثمة ثلاثة ثيران ، لا يفتقرون البتة إلى الرغبة المتوهجة يبيتون على مرمى حجر من غزالتهم المشتهاة ” .

وأيضاً : ” كانت الفتاة لا تميل إلى أي من الأجلاف الثلاثة ” .

وأيضاً : ” لقد أصبحت في غمضة عين خطيبة كبير الأجلاف ” .

ـ إذ كان على الكاتب أن يقوم بوصف الشخصية وسلوكها وتصرفاتها ، ويترك الحكم للقارئ في أن يصفهم بالثيران أو الأجلاف .. فمهمة القاص تكمن في : التلميح وليس التصريح . 

وأخيراً :

ـــــــــــــ

فإن المجموعة القصصية : ” بخفة عصفور ، وحزن يمامة ” ، مجموعة ثرية ، تتسع لقراءات عديدة ؛ وذلك لتعدد واتساع مناطق الدراسة بها ، مثل :

ـ التراث اللغوي .

ـ التراث المعماري .

ـ التراث الفكري .

ـ التراث الفني .

ـ الطبيعة .

ـ الجوانب الاجتماعية .

ـ الجوانب الاقتصادية .

إلى غير ذلك .. الكثير والكثير .

كما أنها تؤكد على أن : القاص ، إنسان بالدرجة الأولى ، يبحث عن البهجة المفتقدة ، لا لنفسه ، ولكن للناس جميعاً بصفة عامة ، والأطفال والبسطاء بصفة خاصة .


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *