
و قد تكون الحكمة من ذلك، أي كونه أخر الدينات السماوية و خاتمها، هو بلوغ هذه الأخيرة أي البشرية، مرحلة النضج العقلي الكافي و الممكن من إدراك تعاليم الخطاب الإلهي و الاسترشاد به من أجل بلوغ أسمى مراتب الرقي النفسي و الاجتماعي، فتتابع النبوات و الرسالات السماوية على فترات متقطعة من تاريخ البشرية و بالشكل الذي ارتضاه الله تعالى لرسالاته، يحي بمراعاة الوحي لدرجة تطور العقل البشري و تماشيه مع قدرته في استيعاب الخطاب الإلهي بشكله المتدرج، ليكتمل نضجه الفعلي مع بلوغ الرسالة المحمدية تمامها، حيث أصبح بإمكانه استيعاب منطق الخطاب الإلهي من خلال تراكمات منجزات تجربته التاريخية.
و قد يشكل ما أنجزه العقل البشري من إنجازات و اكتشافات في كثير من الميادين العلمية، خلال القرون الأخيرة من تطور البشرية، دليلا قويا على صدق هذه الفرضية، حيث أضحت الكثير من حقائق العلم و مكتشفاته، دلائل علمية و العقلية على صدقية الخطاب الإلهي .
و لعلى ما حققته الحضارة العربية الإسلامية و هي بنت الخطاب الإلهي، من فصل بين الخرافة و العلم و تطويرها لمناهج العلمية في كثير من فنونه، كما هو شئن علم الكيمياء مثلا ، ساهم بشكل قوي و فعال في تطور و تقدم البشرية، و المتجسد في ما أنجزته الحضارة الغربية من اكتشافات علمية و منجزات تكنولوجية خاصة، بشكل لم تشهده البشرية من قبل. مما ساهم في تطوير تفسير الخطاب الإلهي خاصة في المجالات العلمية كالفلك و الطب ...، حيث شجع ذلك الكثير من العلماء المسلمين على تبني فكرة الإعجاز العلمي في الكتاب و السنة، محاولين بذلك التوفيق بين الخطاب الإلهي و منجزات العقل البشري من حقائق علمية، أصبحت اليوم دلائل قوية على صدق معجزة القرآن الكريم.

و لما كان تنظيم شؤون الناس مقصد من مقاصد الخطاب الإلهي و حاجة من حاجات الاجتماع البشري، كانت قدرة العقل على إدراك هذه الخطاب في جانبه الاجتماعي، أمرا ممكن و ضرورة ملحة، ليستوي المقصد بالحاجة و بالتالي تتحقق ما يسميه الإسلام نفسه بخلافة الأرض.
***********************
***********************
أكتب تعليق