النديم ..والحديث عن اللغة [{5}]
حامد حبيب
يقول النديم : قرّر العلماء والفلاسفة والطبيعيون
أنّ للإنسان مدارك
جسمانية ومدارك روحانية ، فإنه
مُركّب من جزء جسمانى
وجزء روحانى،وهو ماأشار
إليه (زُهير بن أبى
سُلمى) بقوله:
" لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه
"
فلا يقوم
اللسانُ بخدمةِ الجزءِ الروحاني وترجمة مدركاته إلا بتمرينه
على الكلام وتكرار
المسموعات
وتعوده على
النطق بالألفاظ الدالة
على المعانى واشتغاله بها حتى تصير اللغة ملكة فى هذا العضو
المُعبِّر عن الإنسان
..ولهذا المعنى أشار (ابن خلدون)
بقوله :"اللغة ملكة
صناعية متقررّة فى العضو الفاعل
لها" ..ولايتمكّن
الطفل من هذه الملكة إلا إذا
قرّرت
إليه أصول
اللغة ومشتقاتها ، ومُنِع من
تناول لغة أخرى ،حتى تصير الأولى ملكة
سليمة من العوارض
كما كانت عليه العرب الأولى ، فإنَّ استعمالَهم
اللغة
على أصولها
وتداولها بينهم غير
ممتزجة بأخرى
صيّرها لهم
ملكة صناعية يأخذها الولد عن
والديه
فينطق بها كما ينطق
البليغ من قومه.
واللسانُ إذا
تُرك بلا تكلُّم مع صاحبه ولاتعليم للُّغة،
كان عضواً مُعَطّلاً ،
فإذا استُعمِل فى وظيفته
ظهر
وعلم وعُرِفَت ثمرتُه.
ولتعلم أن
صناعة الكلام غير
اللغة ، فإنّ
الرفع والنصب مثلاً تقوم بها الألفاظ وتحفظها من الخطأ
، ولكن
لاتساعدك هذه الوسائل الصناعية على إتقان
اللغة والمخاطبة إذا
كانت مجرّدة عن بدائع اللغة،
فكم من نحَوى لاتغيبُ عنه
قاعدة من قواعد النحو
لو كُلِّف كتابة جواب أو
عبارة صحيحة لأخطأ فى
الرسم وخرج
عن حدّ الإنشاء ، كما
أن اللغةَ وإن صارت ملكة لاتؤدى
معانى صناعة الكلام إلا
إذا أخذها الطفل عن
والديه على أصولها ، فيوافق بنُطقه صاحب
صناعة الكلام ، وإن كان لا
يدرك القواعد الصناعية.
فإنك ترى
ساكن "نجد" ينطق
بالعربية الصحيحة واللغة الحقة
وهو لايعرف من النحو زيداً ولاعمراً
وما جعل أهل الأمصار
محتاجين لصناعةِ الكلام لتقويم الألفاظ
بها إلا لاختلاطهم
ومزج لغتهم ،
فجعلوا لغةً اصطلاحية.
________________
* كنا فيما مضى ، منذ أكثر من ثلاثين عاما، لاندرس
اللغة الإنجليزية إلا فى بداية
المرحلة الإعدادية ،
وبعد إتمام الشهادة
الابتدائية، التى نكون قد تشبّعنا
فيها إلى حد ما فى
مرحلة طفولتنا الأولى بممارسة
لغتنا العربية والتعوُّد
عليها والنطق بها..أما الآن فقد
أخذت اللغة الإنجليزية تُزاحمُ
لغتَنا مزاحمةً وإلزاماً
حتى كادت - لشدة الحرص
عليها وأنها شرطٌ من شروط
القبول فى الجامعات
والوظائف وفُرص العمل- أن تكون هى
اللغة الأولى ، والعربية ثانياً....
لأننا فرضناها
على الطفل منذ الالتحاق بالحضانة ،
وهو مالم يوفّر الوقت ولاالتعليم
الكافى لهضمها
والتعوّد عليها.
كان ذلك وسيظل
هدفاً لأعداء الأمة ، وهو تهميش
لغات الشعوب
، لإضعاف قيمتها
والاستهانة بها، وبالتالى نفقد
أهم مقوّمات هويّتنا،وسيطرة لغاتهم
إنما يقابله
ضعفٌ فى لغتنا ، وهو أحد ألوان
التبعية
التى لم نتخلّص منها بعد
، فما زال هو لونٌ من ألوان
الاستعمار الجاثم على
صدورنا بنظام الوكالة.
_______________
حامد حبيب_ مصر