جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
أريج محمدشخصيات

أبو القاسم الشابي - الخيال الشعري عند العرب

 

أريج محمد

أبو القاسم الشابي - الخيال الشعري عند العرب



ألقى أبو القاسم الشابي (1909 - 1934) في "النادي الأدبي التونسي"، سنة 1929، محاضرة نشرت في طبعة محدودة الكمية في العام نفسه تحت عنوان " الخيال الشعري عند العرب ".. وهي محاضرة تكشف إلى أي مدى كان الشابي، وهو يناهز العشرين عاما، طليعيا ذا رؤية حديثة ومتطورة في قراءته النقدية للتراث العربي التي تكاد تتفق مع طروحات كتبها المستشرق الألماني غرونباوم في مطلع ثلاثينات القرن الماضي (علما ان الشابي كان يجهل اللغات الأجنبية)، وإلى أي حد كان يريد تخليص مفهوم الشعر من كل التعاريف العربية الكلاسيكية له. لذا، وجدنا أن أفضل احتفال بذكرى ميلاده المئوية، هو أن نقدم لقارئ الانترنت اليوم مقتطفات من هذه المحاضرة الرائعة والملهمة، على أمل أن نقدمها كاملة في المستقبل القريب:

... إن كل ما أنتجه الذهن العربي في مختلف عصوره، قد كان على وتيرة واحدة، ليس له من الخيال الشعري حظ ولا نصيب. وإن الروح السائدة في ذلك هي النظرة القصيرة الساذجة التي لا تنفذ إلى جوهر الأشياء وصميم الحقائق، وإنما همها أن تنصرف إلى الشكل والوضع، واللون، والقالب، أو ما هو إلى ظواهر الأشياء أدنى من دخائلها، فهي لا تتحدث عن الطبيعة إلا بألوانها وأشكالها، ولا يهمها من المرأة إلا الجسد البادي، وهي في القصة لا تتعرف إلى طبائع الإنسان وآلام البشر، وفي الأساطير لا تعبر عن فكر سام وخيال فياض، وإنما هي أوهام طائشة وأنصاب جامدة. كل هذا علمتموه من قبل حينما عرضت له في شيء من التحليل والإطناب والاستقراء. أما الذي يهمني الآن بعد أن علمتم أن كل ما أنتجه العقل العربي كان مطبوعا على غرار واحد ومصطبغا بصبغة واحدة، فهو أن نعرف طبع الروح العربية التي صقلت منتجاتها هذا الصقال. وأرسلت عليها من هذا اللون الذي عرفتموه. وأن نعرف العوامل التي عملت على خلقها هذا الخلق الذي وسم كل ما جادت به قريحتها بوسم خاص.

إذن فما هذه الروح العربية وما هو طبعها الخاص؟

الروح العربية خطابية مشتعلة. لا تعرف الأناة في الفكر فضلا عن الاستغراق فيه. ومادية محضة لا تستطيع الإلمام بغير الظواهر مما يدعو إلى الاسترسال مع الخيال إلى أبعد شوط وأقصى مدى، ومن هاتين النزعتين - الخطابية والمادية – التين ذهبا بها في الحياة مذهبا خاصا، كان لها ذلك الطبع الشبيه بالنحلة المرحة لا تطمئن إلى زهرة حتى تغادرها إلى أخرى من زهور الربيع، ولذلك فهي أبدا متنقلة وهي أبدا حائمة. تلك هي الروح العربية وذلك هو طبعها وإن فيما رأيتم من آثارها العقلية لصداق لما قلته.

وقد كان لهاتين النزعتين الأثر الكبير في إضعاف مَلَكة الخيال الشعري في النفسية العربية حتى كانت آثارها على ما رأيتم... وقد كان لهاتين النزعتين آثار أخرى في آراء العرب وأذواقهم منها أنهم كانوا لا ينظرون إلى الشاعر كما ننظر نحن له الآن من أنه رسول الحياة لأبنائها الضائعين بين مسالك الدهر، بل كانوا لا يفرقون بينه وبين الخطيب من أنه حامي ذمار القبيلة، والمناضل عن أعراضها بلسانه. والمستفز لنخوة الحمية في أبنائها حينما تأزف الآزفة ويجد الجد، إلا أن الشاعر ينظم خطبته والآخر ينثرها نثرا. حتى أنهم لما جعلوا لشعرائهم أرواحا تملي عليهم الشعر، لم يجعلوا تلك الأرواح ملائكة أو آلهة تسمعهم الوحي وتملأ قلوبَهم بالأناشيد الخالدة... كما كان في أساطير غيرهم، وإنما جلوها شياطين تصقل لسان الشاعر وتجعله أدنى إلى بلاغة القول وجزالة الخطاب، وما ذلك إلا لأنهم لا يرون في الشاعر إلا خطيبا ينظم ما يقول...

ولكنكم حريون بعدئذ أن تقولوا: إن هاته العوامل لا يمكن أن تؤثر إلا في العصر الجاهلي، إذ فيه وحده يمكن توفر هاته العلل والأسباب. أما العصر الأموي والعصر العباسي والعصر الأندلسي فهي بمعزل عن مثل هاته العوامل التي ألقت على الروح العربية ذلك الرداء حيث قد تغيّرت في مثل هاته العصور الأوساط الطبيعية والمعنوية التي عاش فيها العرب وألفوها. فما السبب إذن في أن الأدب العربي قد ظلت تسود عليه روح واحدة في جميع هاته العصور، وقد ظلت نظرته إلى الحياة هي النظرة الأولى البسيطة الساذجة التي لا تقلق بغير الظاهر المحسوس؟

والجواب هو: أن هاته العصور الثلاثة قد أثرت على آدابها عوامل أخرى قربت بينها وبين الأدب الجاهلي في الروح والفكر والخيال وإن لم تقو على رد مفعول الزمن في الأسلوب، فاختلفت بينها الأساليب اختلافا بعيدا...

العامل الأول: الوراثة، فقد كان العصر الأموي عصرا عربيا صراحا في طبعه، منزعه وشعوره، لم تختلط فيه الأمة العربية بغيرها من شعوب الأرض اختلاطا كبيرا يدخل في نفسيتها عناصر أخرى غريبة عنها، ولا تبدل عليها الوسط الطبيعي الذي عاش فيه العرب الأولون، فظلت لذلك حافظة لميراثها الروحي الذي ورثته عن آبائها الأقدمين، معتزة به لا تبغي عنه حولا ولا ترضي غيره.

وظلت آداب هذا العصر شبيهة كل الشبه بآداب الجاهلية الأولى، لا أثر للتجديد فيها إلا هذا الشعر القصصي الذي انفرد به ابن ابي ربيعة من بين شعراء عصره أجمعين وإن كان جديرا أن يُسمّى توسعا لا تجديدا لأن الشعر الجاهلي لم يخل من مثل هذا الفن خلوا تاما ولكن ابن ابي ربيعة قد بلغ فيه شأوا لم يصلوه. وإلا هذا الشعر هذا الشعر السياسي الذي ادخله الزعماء ادخالا وأوجدته حالة الأمة العربية في ذلك العصر الحافل بأسباب التنافس والأحقاد. على أن هذا النوع من الشعر أيضا قد كان معروفا في أدب الجاهلية ولكن باسم غير هذا الاسم الذي عرف به في العصر الأموي، ولغرض غير الذي يراد منه فيه. وأعني به ذلك النوع الذي يتمثل واضحا جليا في معلقتي عمرو ابن كلثوم والحارث بن حلزه. هذا النوع الذي كان الشعراء يندفعون فيه اندفاعا منشؤه تنازع القبائل لا على العرش والسلطان كما كان في أكثر المنازعات الشعرية في العصر الأموي – ولكن على الشهرة بين العرب بما يكسب الحمد ويجلب المجد...

العامل الثاني: ما كان يفهم من الأدب نقدة الإسلام. فإن هؤلاء النقدة كانوا لا يفهمون الأدب على حقيقته التي ينبغي أن يفهم عليها من أنه صوت الحياة الذي يهب الإنسانية العزاء والأمل ويرافقها في رحلة الحياة المملة المضنية المتعسفة في صحراء الزمن، وأنه المعزف الحساس الذي توقع عليه البشرية مراثيها الباكية في ظلمة الليل وأناشيدها الفرحة في نور النهار. وإنما كانوا يفهمون منه فهما معكوسا يختلفون في تأويله ويتفقون على مدلوله. فهم يتفقون على انه لا يقصد لنفسه كفن جدّي من فنون الحياة له روحه وأطواره ونزعاته ولكنهم يختلفون في الغرض من استعماله. أما القدماء كعمرو بن العلاء وطبقته فقد كانوا ينظرون الى الأدب كوسيلة من وسائل الدين والسنّة وهذا الفهم الذي فهموا به الأدب قد جعلهم لا يفهمون من الأدب إلا أنه ألفاظ وتراكيب وجمل وأساليب ليس وراءها روح ولا فكر. وهو الذي جعلهم يعتقدون أن الأدب الجاهلي هو من خير المنتجات العقلية التي عرفها العالم كأن العرب هم كل ما برأ الله من قرائح وعقول. وقد ولج بهم هذا الفكر حتى تعصبوا للأدب الجاهلي وازدراد ما انتجه الذهن الإسلامي. وحسبكم دليلا ما ذكره الأصمعي من أنه جلس بمجلس عمرو بن العلاء ثماني حجاج ما سمعه استدل ببيت إسلامي قط. فكان إذا سئل عن ذلك أجاب: "ما كان من حسن فقد سبقوا اليه. وما كان من قبيح فمن عندهم. ليس النمط واحدا. ترى قطعة من الديباج وقطعة مسح وقطعة نطع" ولماذا هذا؟ لأن الشعر الجاهلي أمتن أو أغرب؟كلا فإن في شعر الأخطل والفرزدق ما يعجز عنه شعراء الجاهلية. ولكن لأن الشعر الجاهلي هو الذي يثقون بما فيه من لغة يتخذون منها مادة صالحة لتفسير القرآن وشرح الحديث ومعرفة ما فيهما من بلاغة واعجاز.

وعلى هذه الفكرة الدينية في فهم الأدب، هذه الفكرة التي لا تفهم منه إلا أنه ألفاظ فخمة جاهلية بنوا لهم منطقا خاصا غريبا لا يخلو من شواذ. وهو أن الخير كل الخير – إذا أراد الشعراء أن ينظموا الشعر!- هو أن يتابعوا العرب في الطريقة التي ساروا عليها في شعرهم من بدء القصائد بالنسيب والتشبيب ووصف ترحلها وآثارها الباقية من دمنة مسودة ونوى حفيف. أو وتد مضروب وخباء منصوب وماشية راعية وإبل راغية حتى لو كان الشاعر من سكان الحواضر الذين لا يعرفون البادية ولا يفقهون الخباء! وحتى لو كان شيخا متهدما لا يخفق قلبه بالحب ولا تطربه نغمات الغزل. ومن التويل إلى المدح بامتطاء الإبل الضوامر وقطع الفلوات المترامية وخوض المرامي القاحلة التي يرقص في اطرافها الآل ويلتمع السراب. حتى ولو كان سميرا من سمار الملك الذين لم يتجشموا لرؤيته غير قطع شارع او منعرج! ولمَ لا يكون ذلك خيرا ولِمَ لا يكون واجبا.

أليس امرؤ القيس قد كان لا يبدأ القصيدة إلا بالتحدث عن محبوبته، أليس النابغة أو الأعشى قد كان يمدح الملك إلا بعد أن يصف ما اعترضه في سبيله من الفلوات المقفرة التي جابها بأعمال المطايا؟ كأنهم يحسبون – سامحهم الله – أن مجرد كون امرئ القيس أو غيره من شعراء الجاهلية قد قال الشعر هلى نحو خاص يلائم طبعه وحياته، يلزم الشعراء من بعد باتباعه واقتفاء خطاه وبأن لا يخرجوا على ما سنّه لهم أميرهم الظليل من قانون وشرع، ألا ساء ما يحكمون!...

وأما الطائفة الثانية من النقدة فهي سليلة الأولى وربيبتها وقد كان رأيها في الأدب أنه وسيلة من وسائل اللهو وتزجية الفراغ، وعلى عهد هؤلاء انتشرت تلك الأفكار المسموموة، التي لا تفهم من الشعر إلا انه نوع من أنواع الشحاذة المنظمة وضرب من ضروب الاستجداء لا غير، والتي تجأر بكل قحة ورقاعة أن أعذب الشعر اكذبه ومن أيمة هاته الطائفة – بكل الأسف – وطنينا ابن رشيق، فقد كان يصرح بمثل هاته الآراء في غير موضع من مواضع "العمدة". وكان من آثار هاتين الطائفتين في الأدب العربي أن أصبح لا

يعنى فيه إلا باللفظ باللفظ وما مت إليه من مجاز واستعارة وجناس ومقابلة. وإن كثرت ثروته اللفظية وتنويقها، وتجديد الأساليب المتباينة دون أن يجدوا شيئا في جوهر الشعر وروحه، بل ظل كما عهده العرب في الروح والفكر والخيال. وإن كان الشعر العربي كذبا أكثره، وكيف لا يكون كذلك وقد أصبح من الفرض على الشاعر أن يستهل القصيدة بالغزل والنسيب عند إرادة المدح وأن يصرف همّه في المدح إلى المبالغات الكاذبة والاطراء البغيض؟

العامل الثالث: عدم اطلاع العرب في جميع العصور الماضية على آداب المم الأخرى، فإن العرب بالرغم من انهم ترجموا من مختلف العلوم العقلية ما احدث الأثر الجميل في تالذهن العربي لم يترجموا من آداب الأمم الأخرى ما يحدث انقلابا في الروح العربي. فهم قد ترجموا فلسفة اليونان وحكمة فارس وعلومها، اما آداب اليونان والرومان فإنهم لم يترجموا منها شيئا، واحسب انهم لم يترجموا هاته الآداب لما فيها من النزعة الوثنية ولكن هذا لايمنع الشك والتساؤل. فما لهم لم يترجموا أدب فارس والهند وقد ترجموا حكمتها واطلعوا عليها؟ هذا سؤال لم يجب عليه التاريخ. وما أخال السبب في ذلك إلا الغرور. فقد كان العرب معتزين بأدبهم يحسبونه أنه هو كل شيء في العالم فلم يجدوا حاجة تدفعهم الى ترجمة الآداب الأخرى وظل المثل الأعلى الذي تحتذيه العصور الإسلامية في روحه وأسلوبه هو الشعر الجاهلي.

فكان لعدم اطلاع العرب على ’داب الأمم الأخرى أثر كبير في إبقاء الروح الشعرية العربية على حالها في جميع الأجيال زيادة على تلك الدعايات المتكررة التي قام بها طوائف النقدة في جميع العصور. وعلاوة على ما حمل التاريخ هاته الأمم والشعوب من ذلك الميراث الروحي الذي خلفه العرب لأحفادهم.

وقد تآلفت هاته العوامل الثلاثة على إبقاء ذلك المزاج العربي الصميم في نفسيات الأمم الإسلامية وعلى طبع آدابها بالطابع الذي انطبع به الأدب الجاهلي من قبل...

(من الطبعة الرابعة 1989، الدار التونسية للنشر)

*******

حياة أبو قاسم الشابي١

ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فبراير عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ في مدينة توزر بتونس. قضى الشيخ محمد الشابي حياته الوظيفية في القضاء بمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب، ففي سنة 1328 هـ 1910م عُيّن قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335 هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337 هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم إنه نقل إلى بلدة زغوان 1345 هـ 1927م ومن الأرجح أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـ.

كان الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي، ومن المعروف أن للشابي ثلاثة إخوة هم محمد الأمين وعبد الله وعبد الحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م.

يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه في جامع الزيتونة أعرق الجامعات العربية أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وهو من نطس الأطباء، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على أية حال من عواقب الإجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.

يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبته الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد. لم يأتمر الشابي بنصيحة الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة، ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال. يقول بإحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي: "ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنّى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية".

وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال: " إن صدقنا أطباؤه وخاصة الحكيم الماطري قلنا إن الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً (سبيله) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل، وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب ما بين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ ". وقد عالج الشابي عند الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ. قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهم مستشفياً وكان يصحبه أخوه محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من الألم، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف في المشروحة إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا، وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجدي الشابي نفعاً، فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه (حامة توزر) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول وحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعة. وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانة وكان ذلك في أيلول واريانة ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا: أداء السل هو أم مرض القلب؟.

المنشورات

يا حب (1924)

تونس الجميلة، 1925

الحرب (1926)

شكوى اليتيم، 1926

أغنية الرعد (1926)

الشعر (1927)

نهر الحب (1927)

من أمس إلى اليوم (1927)

تألق الحقيقة (1927)

الخيال الشعري عند العرب، والمحاكمة-مؤتمر (1929)

في قلبي الكثير (1929)

الله (إلى الله، 1929)

يابن أمي (يا أخي، 1929)

النبي المجهول (1930)

صلوات في معبد الحب، 1931

الرعوية (1933)

إرادة الحياة، 1933

أغنياتي (1933)

تحت الفروع (1933)

الأغنية من بروميثيوس (1933)

الاعتراف (1934)

قلب الشاعر (1934)

إلى طغاة العالم، 1934

أغاني الحياة، 1955

مجلة (1965إمراسلات (1965)

وقد ترجمت أكثر قصائد الشابي إلى اللغة الفرنسية من قبل أمير غديرا.[56] في ندوة حول موضوع "الترجمة من الأدب التونسي إلى لغات أجنبية"، كان رفيق بن أونيس هو الوحيد الذي اصدر رأي إيجابي على الترجمة التي درسها في الجلسة [56] العلمية الثانية، وفقا ل بن اونيس، هذه الترجمة هي قصائد الشابي الوحيدة التي وصلت إلى درجة الكمال.[56] في الدورة العلمية الثالثة ،لاحظ أحمد ريمادي "بعض التناقضات الطفيفة" في الترجمة الفرنسية لصحيفة الشابي التي كتبها منجي الشملي ومحمد بن إسماعيل.[56] واوضحا لا يزال يحتاج الأمر إلى "جهد كبير لنقل أفكار الشابي الي اللغة الفرنسية بكل معنى الكلمة".[56]

في 2019، نشرت طبعات LCM مجموعة من نصوص مختارة لأبو القاسم الشابي، ترجمة إيناس الحرشاني، والتي أخذت التعبير العربي ليت شعري. هذه المختارات تسلط الضوء على الشعور بالوحدة لدي الشاعر وحاجته للعدالة والجمال.

قيل فيه

ويذكره الشاعر العراقي المعروف فالح الحجية في كتابه شعراء النهضة العربية فيقول فيه (فهو شاعر وجداني وهو برغم صغر سنه شاعر مجيد مكثر يمتاز شعره بالرومانسية فهو صاحب لفظة سهلة قريبة من القلوب وعبارة بلاغية رائعة يصوغها بأسلوب أو قالب شعري جميل فهو بطبيعته يرنو إلى النفس الإنسانية وخوالجها الفياضة من خلال توسيعه لدائرة الشعر وتوليد ومسايرة نفسيته الشبابية في شعر جميل وابتكار أفضل للمواضيع المختلفة بحيث جاءت قصيدته ناضجة مؤثرة في النفس خارجة من قلب معني بها ملهما إياها كل معاني التأثر النفسي بما حوله من حالة طبيعية مستنتجا النزعة الإنسانية العالية لذا جاء شعره متأثرا بالعالمين النفسي والخارجي).

قصائده المغناة

جزء من قصيد إرادة الحياة في النشيد الوطني لتونس.

إرادة الحياة غناء وإنشاد عدد كبير من المغنين والمنشدين العرب.

إلى طغاة العالم غناء لطيفة.

اسكني يا جراح غناء أمينة فاخت وأبو بكر سالم بلفقيه وحمد الريح.

عذبةٌ أنت - غناء الفنان محمد عبده.

ألا انهض وسر - غناء ماجدة الرومي.

قصيدة الراعي - غناء فيروز.

وفاته

أعيا المرض أبو القاسم الشابي الشابي، فدخل "مستشفى الطليان" في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب أو القلاب.

توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353 هـ.

مكان ضريح أبو القاسم الشابي

نقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جماد الثانية عام 1365 هـ. ويعبر الشابي أجمل تعبير عن أنوار تونس والمغرب العربي التي استفادت منها بلاد المشرق كما هي الحال مع ابن خلدون والحصري القيرواني وابن رشيق وغيرهم المعبرين أنصع تعبير عن خصوصية المدرسة المغاربية أو مدرسة الغرب الإسلامي الذي تؤهله جغرافيته أن يكون الجسر بين الغرب والشرق والذي ظل مدافعاً عن الثغور ولم يمح رغم الداء والأعداء كما يقول الشابي.

 


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *