باسم عبد الكريم العراقي
سيميائية الومضة الديوان
دراسة
تحليلية في ومضة
الشاعر اللبناني " صلاح حسينة "
الومضة :
*******
(( أنثري قارورة شهوتي فوق قباب العشق
وعلى أعتاب جسدي الظمآن
راقصي عباءة شغفي بذراع سومرية )).
..............
تنويه :
*******
الومضة الديوانية ، وصف ابتكرته لهذه الومضة اثناء تحليلي اياها ووجدتها ذات دلالات ومستويات قرائية تعدل ماتشتمل عليه منهما قصائد ديوان شعري كامل
الدراسة :
*******
العنصر الطاغي في تركيب بنية السياق اللغوي لسطح
الومضة واتساقه هو عنصر الاحالة بنوعيها
المقامية / خارجية السياق و الداخلية ، حيث يتشكل معناها التحتاني ( وهو المعنى
الكلي / النهائي لها ) من مقاربات الدلالات
المولَّدة من تعالقهما المعنوي وكما يلي :
ـ الاشارة انثري :
. بنيتها الصرفية : فعل طلب يضمر معنى النداء
لفاعلته/ ياء المخاطبة مؤجل الدلالة (
سنتعرفها في سياق الدراسة لاحقاً )
.الدلالية : سياقها اللغوي : نثر : رمى
الشئ متفرقاً ، بعثره
المقاربة الدلالية : بذر البذار / فعل غائي واهب
الحياة باخصاب / تلقيح الارض بالبذور
ـ الاشارة قارورة : ذات سياقين لغويين مرجعيين (
ماقبليين )
. معجمياً : وعاء زجاجي رقيق شفاف لحفظ الطيب /العطور وغيره من السوائل .
. بلاغياً : المرأة على سبيل التشبية بسرعة
الكسر / ( رفقاً بالقوارير) ً
مقاربة دلالة المنثور من تلك القارورة :
باحالة الاشارة داخلياً على مقاربة دلالةالاشارة (
نثر ): بذر ، جدد الحياة ، ودلالة الاشارة الحسية ( العشق ) الموحية بالنشوة
العاطفية .
يتأكد معناه ( اي المنثور ) السطحي ، في انه العطر
، فهو يبعث في من يستنشقه ذات الاثر النفسي الانتشائي
وباستبدال الاشارة / قارورة ، بمقاربها الدلالي /
عطر
يكون المكافئ الدلالي لظاهر جملة العبارة (انثري
قارورة شهوتي ) = انثري عطر شهوتي
مقاربة المعنى التحتاني لدلالة العبارة
المكافئة :
الاشارة عطر مخصوصة بالتضايف مع ( شهوتي ) مما
يولد لها دلالة محددة
المعنى كما يأتي :
الاشارة ( شهوة المخصوصة بالتضايف مع / ياء المتكلم
) : لها سياقات
مقامية ثلاثة :
. سياق معجمي : ميل ورغبة ذاتوية كلما حاول
صاحبها إشباعها كبرت وطلبت مَزِيداً .
.سياق علمي / بايولوجية : طغت دلالة شهوة
جنسية على باقي دلالاتها الحاجاتوية الجسدية
. سياق فلسفي صوفي / الشهوة الروحية: التذاذ
روح المتصوف المتسامية بإطالة النظر والتأمل العذري في جمال محبوبةٍ
يستحضرها خياله ليسقط عليها حبه للذات الإلهية
باستدعاء دلالة الاشارتين( العشق / العطر ) /
النشوة الحسية النفسية
يكون معنى السياق الصوفي هو المتسق مع دلالة العطر
فتكون مقاربة المتضايفَين ( عطر شهوتي ) الدلالية :
نشوة لذتي الروحية ،
ـ الاشارة المركبة من متضايفين ( قباب العشق )
. قباب / م.قبة : دال سياقه معجمي : مدلوله / بناءٌ مستديرٌ مقوَّس
وهو مولِّد لدال ذي سياق ديني مدلوله: من عناصر العمارة الاسلامية
دلالتها الطاغية في هذا السياق : مايبنى منها فوق الاضرحة ،المقامات والمزارات
التي تقام فوق قبور من يُتوفى ممن يتصفون بالقدسية ،فتسري عليها هذه الصفة
، ودلالة( قباب ) مخصوصة بالمتضايف / العشق ،
بذا يكون العشق مقدساً / روحياً لا جسديا .ً
جمعية الاشارة ( قباب ) قصدية لافادة المبالغة
بجليل شأنه.
المقاربة التأويلية :
ذاك العشق الذي ارتقى بطهارته وعفته الى مصاف
المقدس ، قد رحل ( موتاً او غيبةً )، لكنه لما يزل مقيما في وجدان الشاعر وما غير
مزاراته من اماكن تليق بأن ينثر فوقها عطر نشوته الروحية ، لتوازي دلالتيهما
وتماثل معنيهما .
ـ الاشارة المركبة ( جسدي الظمآن ):
البنية النحوية : ( جسدي) مخصوص بالصفة (الظمان)
.الاشارة/ الجسد ، السياق العلمي / الفسلجة
: المركب المادي للكيان البشري ، وموضع
الشهوات والحاجات البايولوجية المتجددة الشهوة
،
. الاشارة/ الظمآن ، السياق المعجمي : دال
متعدد المدلولات منها :
صفة مشبهة تدل على الثبوت من ظمئ : عطشان ، و ظمآن إلى لقائك : اشتقت اليك ...الخ / مما
يجعل دلالتها مرتبطة بسياقها
المقاربة الدلالية :
بالاحالة على المقاربتين( عطر شهوتي ) و( العشق
المقدس ) :
روح الشاعر المتسامية متحكمه بجسده، قامعة لشهواته
، مما يبقيه دائم التعطش لاشباع حاجاته باستدعاء الاشارة ( على اعتاب ) : المعجمية السياق :
عتبةالشئ في أوَّله ، فتكون اعتاب الجسد هي تلك المنطقة السفلى عند
القدمين ، وكونها كانت الحيز المكاني للرقص فوضعية الجسد لابد ان تكون
الاستلقاء ليتشاكل مع وضعيته عند اصابته
بالوهن بسبب الظمأ
حتى المقطع الاخير ، مازالت دلالة صاحبة الياء
المخاطبة في / انثري
متكئة على رمزيتها الصوفية السالفة الذكر ،
لكن الاشارة المقامية السياق ( سومرية : سياق
ميثولوجي رافديني) الواردة في المقطع الاخير ، يجعلنا نؤجل التسليم بهذه الدلالة ،
حتى نتعرف مقاربة معناه التحتاني الذي ستولده اعادة تركيب ماينتجه تشريح اشارات
هذا المقطع من دلالات :
ـ راقصي /
الرقص :
. البنية الصرفية :
راقصي ، فعل مشاركة يتوجب وجود فاعلين يتشاركان
القيام به
. في
السياق اللغوي : اهتزاز وحركة الجسم على ايقاعات نغمية او الغناء، من الفنون
الجميلة
بالاحالة على السياق ( الروح ـ ديني ) للمقاربات
الدلالية السابقة تكون لها دلالة مقامية السياق
/ الانثروبولجيا / علم الانسان و
الميثولوجيا/ علم الاساطير:
من اقدم الطقوس
العبادية المقدسة والشعائر الدينية
في التاريخ ، يؤدى بقصد التقرب والتواصل الروحى مع الإله،
وبذا تكون قصدية اتخاذ الاشارة المكانية المركبة /
اعتاب جسدي الظمآن
مسرحاً لهذا الرقص المقدس ، هي تطهير الجسد من
رغباته الغرائزية التي عرضته لعقوبة الوهن من قبل قوى غيبية يقوم الرقص التعبدي
باستعطافها لرفع عقوبتها عنه
ـ عباءة : معجمية : كِسَاءً، رداء ، يُلبس فَوْقَ
الثِّيَابِ ، يستر ماتحته ،يغطيه ويحجبه عن الاخرين :
بتخصيصها بما تضايف معها / شغفي ، المتضايف بدوره
مع / ياءالمتكلم،
تكون هذه العباءة رجالية ، دلالتهااحالية خارجية السياق
/ التراث الشعبي : زي له تاريخ قديم في
الذاكرة الجمعية لمعظم الشعوب العربية ، متعدد الايحاءات ، اشهرها / الرفعة
،الوقار ، سمو الخلق والاصالة ،
ـ شغفي / شغف ، معجمية :الرغبة الملحة و العاطفة
الجارفة تجاه شخص ما.و( شغَف ) مصدر فعل متعدٍ بحر جر لم يستوف مفعوله / لم يذكر
الشاعر
شغفه بمن ؟
مقاربة ( عباءة شغفي ) دلاليا:
وقار وسمو خلق الشاعر ، حملاه على ستر وحجب شدة
تعلقه و عميق حبه لتلك المحبوبة ، وهذه مقاربة اولية ، قد تتغير بعد الوقوف على
السبب الكامن وراء عدم تحديد ماهية او دلالة الحبيبة ، بعد تشريح اخر اشارتين .
ـ بذراع سومرية :
. بذراع : السياق النحوي : الباء الحرف الجار
، دلالته المعنوية هنا هي / حرف استعانة ، اي من تقوم بالرقص ( اشارة مستدعاة مما
سبق) تستعين بالذراع في ايداء فعلها .
للذراع اكثر من سياق دلالي ، فهي اداة الكشف ،
البناء ، العطاء ، ومرادفات هذه المغاني التي يجمعها حقل دلالي واحد عنوانه /
اعمار الحياة ، ولها معانٍ مقابلة لما سبق
في نفس الوقت
( كل دلالة تسكت عن نقيضها ) لكن تخصيصها
بالوصف ( سومرية )رجح دلالاتها الاولى وكما يلي
ـ الاشارة سومرية : احالية مقامية / تاريخ
الحضارات : اول واعظم حضارة في التاريخ ، اعلنت ميلاد مركبات بنية الحياة
الانسانية ( العقلية + الروحية ، الجمالية )
تكون مقاربة ( ذراع سومرية ) الدلالية :
خلق معنى الوجود الانساني
بذا تكون الاشارة هذه ( سومرية ) هي بؤرة الومضة
الدلالية ،التي تُسيِّق ميثولوجياً ،المعاني والمقاربات التحتانية للاشارات
المتمفصلة مع ( الحبيبة ) وكالتالي :
ـ الاشارةالمتمفصلة/ انثري ، التمفصل بضمير
المخاطبة الياء
.المعنى التحتاني : ابذري
,مقاربته الدلالية : خلق الحياة وفق هذه المعادلة الحياتية :
بذرة / حبة لقاح + بذار / تلقيح الارض + تشكّل
النبتة في احشاءالارض / تكوّن الجنين في رحم الام + الانبات / الولادة
. التسييق الميثولوجي : من افعال الالهة
ـ الاشارةالمتمفصلة / راقصي ، التمفصل كما في اعلاه
. المعنى التحتاني : تقربي الى الإله بجمال
لغة جسدك
, تسييقه : فعل بشري / الهي
ـ لاشارة ذراع سومرية.
المعنى التحتاني : خلق معنى الوجود الانساني.
. تسييقه : فعل بشري / الهي
بتكثيف المعاني اعلاه وتجميغها :
اخصاب الحياة + جمال ارض سماوي + خلق الانسان (
الانسان = قيمة وجودية ) يتولد مدلول
اسطوري متموضع في الميثولوجيا السومرية،
مقاربته الاشاراتية / الدالية : مخلوقة / خالقة ، ميتا ارضية /
( نصف الهة نصف بشرية )، عشتارية الخصب
والجمال والحب
لكننا حينما استدعينا الاشارات الطلبية ( انثري ،
راقصي ) ،التي تضمر تواصلية المحب خطابياً
مع تلك الحبيبة ،و قمنا بتوسعة مجال تشريحنا اياها :
،انثري / اختزال دلالتهاالفاعلية الى ضمير
متصل ( الياء ) العائد على مخاطَبَةٍ ما غير محددة الهوية . ساكتأ عن التصريح
بهويتها
.راقصي / ذات الاختزال السابق، مع لاتشاركيته
اياها في ايداء هذا الفعل المتطلب هنا ، نوعاً من التلامس البدني بين الراقصَين
بدلالة ( باء الاستعانة الجارة في / بذراع ، السابق تشريحها اعلاه ) ، فأحلّ مكان
ما قد يجعله ينفعل منه ( كفَّه مثلاً ) بذاك التلامس ، شيئاً لا ينفعل (عباءة)، ايحاءً منه بروحانية
( شغفه ) بها، وتعاليه فوق مادية حاجاته الجسدية.
لم تغرِ سيميائية مقارباتها المعنوية ، بؤرة
الومضة ، بشد دلالاتها للدوران في فلك تسييقها كما مر مع اشارات الحبيبة
المقاربة الدلالية لمعنى الومضة التحتاني :
العشق المقدس =
عاشق / ذات
روحانية متسامية + معشوقة / تختزل معنى الوجود.
ـ باسم الفضلي العراقي ـ