سعد مكاوي "الحاضر الغائب "
بقلم : بهاء الصالحى_مصر
¶|
مؤتمر"ملتقى النقد الأدبي العالمي"¶|
_اليوم الثالث ( ٢٣ يناير ٢٠٢٣م)
جاء سعد
مكاوي من رحم الريف المصري في وسط القرن وهو من مواليد ١٩١٦مواليد قرية الدالاتون
مركز شبين الكوم منوفية سافر لباريس ١٩٣٦ ليدرس الطب ولكنه درس الأدب وعاد ١٩٤٠ ثم
تولي الإشراف علي الصفحة الأدبية بجريدة المصري التي توقفت مع أحداث ثورة ١٩٥٢
اشرف علي الصفحة الأدبية في جريدة الشعب ١٩٥٦ وهي جريدة تأسست علي انقاض جريدة
المصري حتي عام ١٩٥٩،ثم انتقل الي وزارة الثقافة حتي احالته علي المعاش ثم رئيسا
لهيئة المسرح حتي عام ١٩٧٦ ثم مقررات بالمجلس الأعلى للفنون والآداب حتي وفاته
١٩٨٥.
أصدر اربع
روايات هي السائرون نياما ١٩٦٥ ثم الرجل والطريق ١٩٦٤ ، الكرباج ١٩٦٤ ، لا تسقني
وحدي ١٩٨٥ ، وقد أصدر أربعة عشر مجموعة قصصية ومسرحية واحدة
هو جزء
تعريفي كمدخل رئيسي به لإثبات كم المساهمة في اثراء الحياة الثقافية ولم يصل حقه
في التصنيف حيث جاء من واقع ثقافي قائم علي فكرة الليبرالية في مرحلة ماقبل ٥٢ وعلي صفحات جريدة المصري استضاف شباب المبدعين
الذين صاروا اعلاما فيما بعد ، لكن طرحه المعرفي عبر تحليل الخطاب الروائي يتضح مساحة رفضه للخطاب السائد خلال ستينيات
القرن الماضي وذلك من خلال استدعاء نموذج الحاكم الذي اعمته شهوة السلطة وأضاعت
رشده مستقبلا نماذج من حكام المماليك وهو حبظلم وهنا إسقاط سياسي في فترة الستينيات خاصة مع تاريخ اصدار السائرون نياما ، ويهمنا هنا أيضا تحليل معدل ادراكه المعرفي
لإعادة انتاج الازمة المجتمعية وهنا تأتي ضرورة معالجة روايتيه، لا تسقني
وحدي والرجل والطريق ،وكلاهما يدرك أبعاد جديدة لازمة الواقع المصري فلم يحصر أزمة الريف المصري في علاقات القوي تمشيا مع النظرة
الاشتراكية التي سادت في تلك الفترة وهنا هامش ن التعبير حفره الإبداع كنقاط
ارتكاز في العبور بالوعي الخاص وفق توازنات الواقع ونقض الفكرة السلبية عن تلك
المرحلة التي أراد البعض تسويق فكرة ما عنها لتبرير ماهو مخطط اجتماعيا وقتذاكّ.
ونسوق تلك
النماذج لسرد نماذج معالجة الريف في الأدب المصري مابين الاجيال الأدبية المصرية ،
وهو امر له عودة
لاتسقني وحدي
لاتسقني وحدي
الموال في
مواجهة القوة
ايهما ابقي
في ذاكرة التاريخ كلمة ام سيف ،هل السيف قادر علي محوسلطان الكلمة قد يقتل قائلها
ولكنه اعجزمن خلق جدران لفضاءاتها .
تلك أيقونة
رواية لا تسقني لوحدي حيث ارتفعت لغتها لتخلف عدة معضلات داخل قراءة النص حيث يقرأ
النص من عدة مداخل :
١-توافق
البداية مع النهاية في خلق مشهد تصاعدي للأحداث حيث تبدأ الرواية بهاربان هما علاء
الدين وصديقه في رحلة هروبهما على جبل المقطم أيقونة القاهرة التاريخية وإلا فما
هو تفسير كثرة الأولياء والقبور ذات البعد الاسطوري من غموض الي تأثير ،وماهو غامض
في ذكر هؤلاء هل كان مهربا من سطوة الوادي حيث الوالي ،وهنا الذكاء في اختيار
المكان حيث الجبل الاول مدينة بها الحالمون ثم الجبل الثاني من سلسلة المقطم وكأنه
عالم بديل للوادي بقسوته وكذلك فكرة تجديد المقاصد للباحثين عن ذواتهم في العالم
البديل ولعل طرح فكرة البحث عن البديل داخل نفس المجال الجغرافي يطرح لدينا موقف
البحث عن خطاب جديد يطرحه القاص ضد الخطاب السائد ،وهنا يدافع الإنتاج القصصي عن
صاحبه ،فقد اتهم البعض سعد مكاوي بالتخلي عن دوره خاصة بعد ١٩٥٢ خاصة بعد موقف
الثورة من جريدة المصري التي عانت وعاني أصحابها احمد ومحمود أبو الفتح من الإغلاق
الحكومي لصحفهما وتأمينها وكذلك عدم يقينه بالنظام الجديد لعدم طرحه ما يساوي
قناعات الكاتب والذي كان مشرفا علي الصفحة الأدبية في جريدة المصري ، والتبرئة
الأكبر في موال النهاية الذي توافق مع المقدمة والذي أتي بصياغة محملة بالدلالة :
( مجدافي شوق
مجدول )
( وطريقي موج
موصول )
( لا حا أكسر
الارغول )
( ولا حا بطل
أقول )
وضحك كل شيء
مع السهر وردي ،علاء الدين والرمال والغزالة ونبتة الصبار وقلب الحجر .
وعلي الرغم
من حضور محي الدين بن عربي والعز بن عبدالسلام في مشاهد
وسط الرواية
الان مشهد الختام اقتصر علي السهر وردى ،هل لأن السهر وردي مات بسيف صلاح الدين
بعدما نقل القاضي الفاضل لعقل صلاح الدين فهمه لمقولات السهر وردي فقتله من باب
الاحتياط ، ام لأسباب أخري .
٢- دلالة
العنوان حيث يسوق القاص في صفحة ٧٦ ترنيمة السهر وردي :
لا تسقني
وحدي فما عودتني
إن اشيح بها
علي جلاسي
انت الكريم
ولايليق تكرما
أن يعبر
الندماء دون الكاس
هنا دلالة
التكثيف في اتجاه طرح خطاب بديل واكساب ذلك البعد التداخلي في توظيف الشخصيات
والسياقات الزمنية للتأكيد علي تاريخية الوعي وان السهر وردي قتل بسبب وعيه وان
جاء النمط الاستبعادي من خلال مفهوم الشطط كنوع من المداهمة لنمط التدين الشعبي
تلك الأيقونة التي تتاجر بها الطبقة الوسطي احيانا .
هنا يطرح
المثقف العضوي نفسه من خلال إدراكه لمفهوم الكلمة التي تحولت لآلاف الكلمات التي
تجسدت وعيا متجسدا يدافع عن صاحب الكلمة .
٣- طبيعة
اللغة الفنية من خلال استدعاء الرموز الصوفية التي أعادت انتاج الصوفية لخلق خطاب
مقاوم ،وكذلك اختيار المقطم كمكان للأحداث حيث توظيف المجال الجغرافي حيث استلهام
تاريخ الفارين عبره تاريخيا بحثا عن الأمان وهنا تصبح الرؤيا وليس الحلم هي صيغة
الحوار مع الواقع المعاش وكذلك توظيف الرموز الصوفية حيث جاء بالغزالة كرمز مصري
قديم حيث ترمز للأرض التي بها الاحباب وهنا قد يكون التوق للحرية من خلال الشوق
للماضي الذي أبدع فيه ناثرا وداعما من خلال عمله هنا يكون الرمز مبررا نفسيا من
خلال دلالة ذكر الأسماء بخلفيتها المعرفية لدي المتلقي وكذلك سعيا لذلك الواقع
الذي يذخر بالاستدعاءات التاريخية كنوع من اليقين في مواجهة الواقع المحير .
٤- الاستدعاءات
المقولات الصوفية كنوع من إعادة إنتاج الحقائق وذلك بفعل تعالي اللغة الصوفية عن
الواقع المادي بفعل المفارقة الباحثة عن ما وراء الواقع وهنا التماس مع رؤية سعد
مكاوي من خلال المراوحة المكانية مابين مايشبه مجمع الأولياء علي المقطم قرين جبل
الاوليمبس ليحاكم الوزير وزينة زوجته التي أرادت استدراج الجعبري فيما يشبه معادلة
تأسيس وتبادل الأدوار بالنسبة للخطيئة فكأن المقولات الصوفية تلك هي الإطار
المرجعي كي تتسق اللغة مع طبيعة الأشخاص الذين جعل القاص حضورهم كمعادل موضوعي
لتاريخية الخطاب ضد السيف الذى جبن أمام الغزلان التي آمنت بموال علاء الدين .
تبقي رواية
لا تسقني وحدي عملا جديرا بالقراءة مرات عديدة للثراء الدلالي بها
فشكرا لدار
الشروق علي تبنيها للنصوص المميزة التي اثرتنا بطاقة من نقاء الروح واضاءت في
عقولنا شوق جديد لشبق الابداع .