حامد حبيب
أبو حنيفة..صاحبُ العقلِ والرأى
أساء البعضُ الظنَّ بأبى حنيفة، حين استخدم العقلَ والرأىَ والاجتهادَ فى استنباطِ الحُكم ،وظنّوا أنه ترك
العملَ بالحديث النبوى ، وقد دافع عن نفسه فى هذا
الظنّ ،قائلاً:" عجباً الناسِ ، يقولون أنّ
أفتى بالرأى، ماأفتى إلا بالأثر"..أى ماجاء فى السُّنّة.
وقال :" كذب والله وافترى علينا من يقول أننا
نُقدّمُ
القياسَ على النَّص ، وهل يحتاجُ النّصُّ إلى
قياس؟".
بل قال : " نحنُ لانقيسُ إلا عند الضرورة الشديدة ،
فإن
لم نجد دليلاً
قِسنا حينئذٍ مسكوتاً
عنهُ على منطوقٍ به"..وقال
موضّحاً :" أنا آخُذ أولاً بكتاب الله،
ثم بالسُّنّةِ ، ثم بأقضيةِ الصحابة ، ونعمل بما يتّفقون
عليه ،
فإن اختلفوا قِسنا
حُكماً على حُكم ، بجامع العِلّةِ
بين المسألتَين،حتى يتّضحَ المعنَى".
وأكّد
أتباعُه تلك المسألة ،
ومنهم (زفر) الذى قال:
"
لاتلتفتوا إلى كلامِ
المُخالفين ، فإنَّ أبا حنيفة وأصحابَنا لم يقولوا فى مسألةٍ إلا
من الكِتابِ والسُّنّةِ
والأقاويلَ الصحيحة،ثم قاسوا عليها".
ولقد
قال ( ابنُ خلدون ) فى مقدٌمته : " الإمامُ أبو حنيفة إنما
قلّت روايتُه لِما شدَّد فى شروط الرواية
..وضعف روايةِ الحديثِ اليقينى إذا عارضها
الفعلُ النفسى، وقلّت من أجلِها روايتُه فقلّ
حديثُه...
ويدل
على أنه كان
من كِبارِ المجتهدين
فى علم الحديثِ ..".
ومع كل هذا ، فالرَّجُل كان
متواضعاً ، لايغترُّ برأيه،
ولايحمِل الناسَ عليه ،
بل يقول :" قولُنا هذا رأىٌ ،
وهو أحسنُ ماقدرنا عليه ، فمَن جاء بأحسَن من
قولِنا فهو أولى بالصوابِ مِنّا "......وقد قيلَ له يوماً:
"يا أبا حنيفة،هذا الذى تفتى به هو
الحقُّ الذى لاشك
فيه " فأجاب : " واللهِ لاأدرى..لعلّهُ
الباطلُ الذى لاشكّ فيه".
وعوّدَ تلميذَه(أبا يوسف)على
التثبُّت"التحقُّق" وعدم
الاستسلام
أو المُتابعة له دون تمحيص ،
وقال له :
"لاتكتُب كلَّ ماتسمَعه
منّى(أى،لاتتعجّل الكتابة) فإنّى
قد
أرى الرأىَ اليوم
فأترُكه غداً ، وأرى الرأىَ غداً فأتركه بعد غد".
هذا هو أبو حنيفة النُّعمان .
_______________
حامد حبيب _مصر
أكتب تعليق