المعرِّى يُعاتِب الشيخ الشعراوى
(المعرِّى يُعاتِب الشيخ الشعراوى)__
إنَّنى مع وِجهة النظر القائلة أنَّنا لانستطيع أن نفهم
أىَّ أثَرٍ فنّى حقَّ
الفهم مُنفصِلاً عن صاحبه.
فإننى أرى أن التعرُّفَ
على صاحب العمل الأدبى(ظروف نشأته-بيئته_أحداث عصره_السِّن
الذى بدأ الكتابة
فيه_العقيدة_الاعتناق المذهبى_تاريخ كل عمل أدبى أوفكرى)..كل ذلك
يوضّح لنا الصورة جليّة
فى التعرُّف الحقيقى على الشخصية التى نتناول أعمالها،أديباً كان أو مُفكِّراً
أو فيلسوفاً ..فإنتاجه
الأدبى أو الفكرى بالطبع يأتى مُتأثراًبكل تلك العوامل السابقة.
_فمثلاً(عُمَر بن أبى
ربيعة)شاعر الغزل فى الشعر العربى..كان الكون لديه كائناتٌ جميلة ساحرة،وكان أبوه
المُلَقَّب ب(العِدل)لأن قريش كانت تكسو الكعبة سنة،وهو وحده يكسوها سنة،وكان
تاجراً مُوسراً ،فلما توفّى كان (عُمر)ابنه،لم يتجاوز الثانية عشر،فكفَّلته أمُّه
،وكانت نشأته تحظى بالدلال،وكانت
أمه تبالغ فى هيئته
وزينته وعطره،فشاركت أمه إلى حدّ كبير فى تشكيل شخصيته ونفسيته،وكان وسيماً
فصاحب ذلك نوعاً من
اللهو والعبث والتغزُّل فى النساء،كما أنه عاش عصراً من الحرية.
_فكانت تلك العوامل
مجتمعة مماشكَّل شخصيته
الشعرية...هل لو كان
عاش حياةً قاسية تخلو من التدليل والرفاهية وتزامن ذلك مع كبت للحرية،هل
كان نتاجه الشعرى بنفس
ماقرأناه له؟..بالطبع لا.
_هناك ظروف عصر أثَّرت
بقوة على فكر وشعر
(الخيّام)و(المعرّى)أثَّرت
عليه عوامل عِدة،منها:
فقده لبصره وهَمٌّ أصاب
الأمة وكانت كتاباته المُبكّرة
تختلف عما كان
بعد،عندما نضج واستوى.
*وقد حكى (الشيخ
الشعراوى)_رحمه الله_قائلاً:
"كنا فى مُقتَبَل
حياتنا التعليمية نُحب الأدب والشعر والشعراء،وبعد أن قرأنا للمعرّى وجدنا عنده
بعضاً
من الشعر يؤؤل إلى
الإلحاد،فزهدنا فيه ،وخصوصاً
عندما قرأنا قولَه:
تُحطِّمُنا الأيّامُ حتى
كأننا
زجاجٌ ولكن لايُعادُ
لنا سبكُ
وأخذنا من ذلك القول
أنه يُنكرُ البعث،فقلنا :يُغنينا اللهُ عنه،لكنَّ صديقنا الشيخ (فهمى عبد اللطيف)
رأى المعرّى فى
الرؤيا،وكان مُولَعاً بالمعرى،ةقال لى:
رأيتُ المعرّى فى
الرؤيا وهو غاضبٌ منك أنت لأنك
جفوتَه،فقلتُ :أنا
جفوتُه لكذا وكذا..وقلتُ لنفسى :
يجب أن أُغيد حسابى مع
المعرّى ،وجئنا بدواوينه
"سقط
الزند"و"لزوم مالايلزم"،ووجدنا أن للرجل عذراً فى أن يعتبر
علينا،لأنَّ آفة الناس الذين يسجّلون خواطر أصحاب الفكر أنهم لا ينظرون إلى تأريخ
مقولاتهم،وقد قال المعرى قوله الذى أُنكره عليه
وقت أن كان شابّا
مفتوناً بفكره،وعندما نضج قال عكسه ،وكثير من المُفكرين يمرون بذلك،مثل(طه حسين)
و(العقاد)بدأ كل منهما الحياة بكلام يؤؤل إلى الإلحاد،ولكنهما كتبا بعد النُّضج
مايحمل عطر
الإيمان الصحيح،لذلك
لايصح لمن يحكم على أن يأخذ بأُولَياتِ خواطرهم التى بدأوها بالشك حتى يصلوا إلى
اليقين.
_فبعد النُّضج ،قال
المعرّى:
زعمَ المُنجِِّمُ
والطبيبُ كلاهما
لاتُحشَرُ الأجسادُ
قلتُ إليكما
إن صحَّ قولكما فلستُ
بخاسرٍ
أو صحَّ قولى
فالخَسَارُ عليكما
*كذلك تأثيرُ الأساتذة
على المُفَكّر أو الأديب أوالفيلسوف،فللمُعلٌِم تأثيرٌ كبيرٌ..ولولا تأثُّر (ابن سينا)
بالفارابى،ماكان ابنُ
سينا،لأنه لم يفهم كتاب "ما وراء الطبيعة"إلاّ عن طريق (الفارابى)فانفتح
عليه ماكان غامضاً وتيسّر له الأمر بعد ذلك واتَّخذَ طريقه حتى صار علَماً من
أعلام الفلسفة المشهورين.
*كذلك (چون لوك)اختصَّه
والده المحامى برعاية خاصّة،ووفَّر له تربية استقلالية متحررّة،مما كان له
بالغ الأثر فى تكوين
شخصيّته المستقلة الباحثة فى تفرُّد وعُمق فى أمور المعرفة والنفس والأخلاق
والتربية والسياسة.
*كثيرةٌ هى النماذج
التى تُطلعنا على تأثير العوامل
التى أسلفناها على
شخصية وفكر وإبداع هؤلاء.
_و على النُّقَّاد وضع
كل هذه العوامل وغيرها فى الحُسبان عند تناولهم فكر وإبداع شخصياتهم ،ليتمَّ
لهم والقارئ رؤية أوضح
وأكثر استفادة .